وضَع يَدهُ على يَدِهَا وهُوَ يقُول.. أحْبَبتُك أكثر مِن نفِسِي
لآ أعرِف إن كَان جُنُون أو صَرع أصَابَ فِكْرِي ...
هُو حُبٌ توَالَد معِي ولم أفهَم دوَاعِيه ولَم أسْتَطِع تَفْسِيرَه....
مَلآمِحُكِ ،، حَرَكَاتُكِ ،، إبْتِسَامتُكِ ،، جَمَالُكِ ،،حَنَانُكِ ،، قَلْبُكِ ،،
كلّ شَيْءٍ فِيكِ جعَلنِي أنجذِب إليْكِ ..
لآ أعْلَم هذَا التغيُّر المُفَاجِئ الذِي أَفْقَد السَيْطَرَة علَى نفْسِي
ويَتَغَيّر الحُب العفْوِي البَرِيء إلَى حُبِ رَجُل لِإمْرَأة...
تَسَمَّرَت فِي مكَانِهَا والذهُول والدَهْشَة أصَابَتْهَا بِـ البُكَم لِدقَائِق
ثُمَّ جَذَبَت يدَهَا بِقُوّة وصَفَعَتْه صَفْعَة كَاد أن يُغْمَى عَلَيْهِ ...
نَظَر إليْهَا وعيْناهُ جَاحِظَتْينِ وكأنّه أفَاق لتوِّ من الغيْبُوبَة لِيَنجلى مِن بصَرَهِ ذَاك الوهَم.
..
فَتح إبْرَاهِيم بَاب السَيَّارَة وجلَسَ وهُو مُسْتَاء وأطلَق زفْرَة وقَال:
أعْتَذِر جَعَلْتُكُمَا تَنْتَظِرَانِي..لم أجِد طلَبِي عِندَ صَاحِب المحَل بِرَغْمِ أنّهُ وعَدَنِي أنْ يأتِيَ بِه عِنْدَمَا يُسَافِر
ووضَع يَدَهُ عَلَى كَتِفِ أمّهِ وقَال مَازِحًا أعْرِف أنّ عِصَام خَجُول وقَلِيل الكَلَام ..
هَل ضَايَقَكِ فِي غِيَابِي ..وأسْترْسَل فِي الضَحِك
نَظَر إليْهِ عِصَام والوُجُوم يَكاد يخْنُق صَدرَهُ والجَزَع ورّمَ أحْدَاقه ..
وقَال بِصَوْت مخنُوق لَا يكَادُ يُسْمَع ..
حَسَنًا سَأرْجِعكُمَا لِلبَيْتِ عِنْدِي مَوْعِد هَام..
..
لَم تَقْوَ عَلَى السَيْرِ فَشَعَرَت بِدُوَارِ أصَابَهَا،حَاوَلَت أن تتمَاسَك حَتّى لَا تَسْقُط.
فتقَدّم مِنهَا إبْرَاهِيم وأمسَكَهَا مِن ذِرَاعهَا وسَألَها والخوْفُ بَادِي عليْهِ..هَل أَنْتِ بِخَيْر ..؟
قَآلت : نعَم أنَا بِخَيْر ..فقَط أمْسِك بِي حَتى لَا أَقَع ،، يَبْدُو أنّ رَأْسِي عَاوَدَهُ الأَلَم
وإلْتَفَتَ إلَى عِصَام مُشِيرًا له أنّه سَيَلْتقِي بِه لَاحِقًا..
لَم يُجِيبَه وأنطَلَق مُسْرِعًا فأحْدَث ضَجِيجًا وهو يُغادِر بِالسَيَّارَة
..
سَاعدَهَا عَلَى الجُلُوس بِكُلِّ رِفْقٍ عَلى السَرِير ..
وقَال لهَا وهُو يَنْزع مِن علَى رجليْها الحِذَاء لتسْتلْقِي على السرِير
يَجِب أن تَذْهَبِي إلى الطَبِيب لِيُشَخِّص نوع هَذَا الألَم الذِي يَزُورِك مِن حِينٍ لِآخَر .
قَالت : إن شَاءالله سَأذْهَب فلَا تقْلَق..
أغمَضَت عيْنَاهَا وكأَنَّهَا تُرِيد الهُرُوب من الوَاقَعِ لِتخْتلِي بِنفْسِها ولن تَسْتفِيق مِن ذاك الحَادِث الذِي عكّر يَومَهَا
فَتَرَكَهَا لترْتَاح وأسْتأذنَ مِنهَا بِصَوتِ خَافِت : أنَا فِي غُرْفَتِي..
إن أحتجْتِي شَيْئًا نَادِينِي أنتِ تعْرِف رَقْم جَوَالِي قَالَهَا مَازِحًا
إبْتسَمت ومَا فَتِئَت أن عَاوَدهَا الحُزْن بَعْدمَا تَذكّرَت تِلك الحَادِثَة البَائِسَة..
تَلبّدَت أفكَارُهَا بهَزِيز مِن الغيْض و الغضَب قَائِلة:
معَاملتِي لم تخْتِلف عَن مُعَاملَة أبْنِي لهُ ..لِمَا يفْعل ويَتصَرّف هَكذَا معِي...!!
كُنْتُ له أمًا حَنُون......فقَطَع عنهَا خلْوتهَا والوجَل بَادِي علَيْهِ،،،
أمِي جَاءَنِي إتِصَال بِأنّ عِصَام فِي المسْتشْفَى وحَالَته خَطِيرَة..
أرتجَف قَلْبُها مِن الخَبَر وسَألَتْهُ : مَابِهِ...!!؟
لَا أدْرِي سَأذْهَب إلَيْهِ الآن لأعْرِف مَا الذِي جرَى لهُ
..
تَوجّه الَى المسْتشْفَى وسَأل عن مكانِه ..
فدخَل للمكَان الذِي تُوجَدُ فِيهِ حالَاتُ الطوَارِئ
فسَمِعَهُ يَئِن بِصَوتٍ يتفطّر له القَلْبُ وهُوَ مُضَرّج بالدِمَاء وبِجَانِبه الطَبِيب يتَفَحّص حَالتَهُ ..
فَأمَر بِتَجْهِيز غُرْفَة العَمَلِيَات فالحَالَة خطِيرَة...
فإقْترَب المُمَرّض مِن إبْراهِيم وأعطَاه أورَاقه التِي كَانَ يحْملُهَا وهَاتِفه
فنظَر إليْهُم وأرَاد أن يصْرُخ لَا يُرِيد أن يفقِد أعزّ صدِيق له ...
فَلَقَدْ تربّى معًا وكبِرَا سوِيًا وكَان بِمثَابَةِ أخٍ لَهُ ..
مُنذُ الطفُولة لم يفْترِقَا .. ينَامَانِ، يأكُلَانِ ، يُذَاكِرَانِ ،يَتشَاجَرَان ويسَافِران معًا
تملّكه الحُزن واليَأس الشدِيد وهو يُتابِعَهم وهُم يُدخِلَانِه الى غرْفةِ العملِيَات
..
مرّت سَاعَات وكأنّها أسَابِيع وهو ينتظِر لِيزُفّ الخَبَر لوَالِدتِه أنّه بخيْرٍ ..
مَافتِئت ذَاكِرَتُه تسْترِد لحَظَاتِه معَه حِين كَان صغِيرَان وكَان كـ التوْأمَان
لَا يفَترِقَان وجمِيع الحيّ يعرِف مدى تعَلُّقِهِما والأخوّة التِي تجْمعْهُمَا
كَان عِصَام يهْرُب من بيْتِ أبِيه ويلْجَأ إليْهُم مُسْتأنِسْ الدِفء الأسرِي الذِي يجِده فِي مُعاملَة وَالِدتِه ..
كَانت رحِيمة معه ومترَفِّقة لحَالِه.. أسْمَعُهَا دَائِمًا ترَدّد على مسَامِعِي أنّه يتِيم الأم
ووجَب عليْنَا أن نعَاملَه بكلّ رِفَق وحنَان ..
أمِّي عطُوفَة جِدًا وطيِّبة ،
تمْسَح على رَأسِه حِين يكُون خائِفًا ومتَضَايِقًا مِن سُوءِ معَاملةِ أبِيه
ومِنْ زوجَةِ أبِيه التِي كَانت تعَاملُه بقَسْوة ،،
فيَحْمِل نفْسَه إليْنَا ليَجِد الرَاحة والمُعاملَة الحَسَنة فِي كنَفِ بيْتِنَا
كَان ينَام بغرْفَتِي وله سَرِيرهُ الخَاص الذِي خَصَصَتْه والِدتِي له وأعتبرْته إبْنًا لهَا ..
لَم تفرّق بَيْنِي وبيْنَه فِي المعَاملَة ،..حتّى الملَابِس حِين تشْترِيها لَنَا بِنفْسِ السِعَر والمَارْكة
لَم تتزوّج بِرغْمِ أنّها مَاتَزَالُ إمْرَأة شَابَة ومَا تتمتّع بِه مِن جَمَال ،
رفْضَت الزَواج من الذِين تقَدّمُون لهَا بِرَغْمِ أنّهم كَانُوا من خِيَار النَاس
عزَفت عنِ الزَوَاج ووهبَت عُمرَها لِـ تتفرّغ لترْبِيتِي ووفَاءًا لذكْرى أبِي
ثُمّ أطلَقَ زفْرَة مكتظة بحِنْقة وغَصّة تجرّعهَا بِمَرَارَة ..ورَفع بِبَصَره يتوسّل الغوْث من الله
.
.
.يُتْبَع