وقفة مع حديث
" لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحب لنفسه " متفق عليه
فما هي هذه المحبة ... وكيف تكون....
في هذا الحديث الشريف يبين نبينّا r أمرا ًعظيماً، به تكتمل خصال الإيمان ,ألا وهو محبة الخير للمسلمين، فمن أوجب مظاهر الأخوة أن أتمنى الخير لجميع المسلمين, وأن أحب لهم ما أحب لنفسي.
فحب الخير وتمنيه وإرادته يكون لكل مسلم على وجه الأرض, ولا يكون لمن نعرفهم فقط ,ولا يكون ذلك إلا إذا تحررت النفس من الأنانية والحسد وحب الذات ,فأنت تحبين التفوق لك ولجميع زميلاتك في الفصل ,وتحبين النجاح لك ولجميع صديقاتك وتحبين الخير لك وللجميع0
هكذا تكون الأخوة000
وهكذا تكون المحبة000
وضد ذلك الحسد وهو مرض خطير يسىء إلى صاحبه فيجعله في هم وغم ونكد, يزعجه نجاح الآخرين ويغيضه تفوقهم فيتمنى زوال النعمة عنهم أو يكره أن ينعم الله تعالى على غيره.
فقلب المؤمن مليء بالمحبة لإخوانه المسلمين ,ويتمنى الخير لهم مثل ما يتمناه لنفسه, وخير من طبق هذا الخلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, وسار صحابته رضوان الله تعالى عليهم على نهجه, فهذا حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنه يطبق هذا المعنى العظيم وهو محبة الخير لكل مسلم فيقول:"إني لآتي على الآية من كتاب الله عز وجل فلوددت أن جميع الناس يعلمون منها ما أعلم منها ".
فهو هنا يتمنى لجميع المسلمين أن يتفقهوا في القرآن ويعلموا من أحكامه ما يعلم هو, وهذا من أعظم الخير الذي يتمناه الأخ لأخيه.
من أهم مظاهر محبة الخير للمسلمين ما يلي :
1-مدّ يد العون لهم, ومساعدتهم بكل ما نستطيع, يقول صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم, لا يظلمه ولا يسلمه, ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته, ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة" رواه البخاري
ويقول صلى الله عليه وسلم :"والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" رواه ابن ماجه, وقال الألباني صحيح
فلا تبخلي بنيتي على صديقاتك بمد يد العون لهن إما بإيضاح درس استصعب عليهم فهمه, أو إسداء النصيحة لهن, لتنالي عون الله تعالى لك.
2-كف الأذى :
وكف الأذى من مظاهر محبة الخير للمسلمين وقد جاءت آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تحذر من إيذاء المسلم, وتنهى عنه لما له من آثار خطيرة على علاقة المسلم بأخيه المسلم , ولما فيها من هدم لدعائم الأخوة وركائزها التي يسعى الإسلام لبنائها وتقويتها، فعن أبي ذر الغفاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( .... تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك ) رواه مسلم
فكل واحدة منا لا تحب أن تتعرض لأي نوع من الأذى , سواء كان هذا الإيذاء باليد أو باللسان وهناك أمور نُهي عنها المسلم ليحقق بذلك الأخوة بين المسلمين ومنها :
* النهي عن سب المسلم وشتمه , يقول صلى الله عليه وسلم :"أتدرون من المفلس؟قالوا:المفلس فينا يا رسول الله من لا درهم له ولا متاع, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاته وصيامه وزكاته,ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيقعد فيقتص هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقتص ما عليه من الخطايا أخذ من خطاياهم فطرح عليه ثم طرح في النار"رواه مسلم.
* النهي عن غيبة المسلم , فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"أتدرون ما الغيبة؟ قالوا الله ورسوله أعلم.قال:ذكرك أخاك بما يكره ,قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال:إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته .وإن لم يكن فيه فقد بهته"رواه مسلم.
* النهي عن النميمة,يقول صلى الله عليه وسلم "لا يدخل الجنة نمّام "رواه مسلم
فإيذاء المسلم وإلحاق الشر به, واتهامه بالباطل ورميه بالزور والبهتان وتعييره وتنقصه ,وغيبته وسبه وشتمه ولعنه وترويعه أمور نهى عنها الإسلام وحرمها , فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:" صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فنادى بصوت رفيع,فقال:"يا معشر من أسلم بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه ، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم ,فإنه من يتتبع عورة أخيه المسلم يتبع الله عورته , ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته "قال الألباني :صحيح.
فأقل ما يقدمه المسلم لإخوانه المسلمين أن يكف شره عنهم كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " قال الألباني :صحيح.
* النهي عن السخرية والاستهزاء وانتقاص الآخرين والبعد عن الكبر والحرص على التواضع قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (11) سورة الحجرات.
3. التسامح والعفو عن المسيء :
التسامح يعني الصفح عمن أخطأ عليك أو تجاوز حده فهو خلق نبيل قال تعالى : { وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (134) سورة آل عمران ، فكلنا يخطيء ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول :"كل ابن آدم خطاء " قال الألباني حسن . فإذا أخطأ عليك أحد فتذكر الأخطاء التي وقعت منك تجاه الآخرين وحاجتك للتسامح وعفوهم عنك لتسود المحبة والألفة بينكم.
احبتي ... تذكرو أن تسامحكم دليل على عزتكم وعدم ضعفكم قال صلى الله عليه وسلم : ( وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا ... ) رواه مسلم . فكلنا يود من إخوانه أن يصفحوا عنه ويعفوا إذا أخطأ عليهم ,ليسود جو المحبة والألفة في المجتمع.
5 . الدعاء للمسلمين:
فالمسلم يدعو الله لإخوانه أن يوفقهم لكل خير , وأن يصرف عنهم كل شر , ودعاء المسلم لأخيه المسلم في ظهر الغيب من مواطن إجابة الدعاء ،ولعظم هذا الدعاء أكرم الداعي بملك يدعو له , يقول صلى الله عليه وسلم : (دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة , عند رأسه ملك موكل , كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به :آمين , ولك بمثل ) رواه مسلم
هذه بعض مظاهر محبة الخير للمسلمين .
فما ثمرات هذا الخلق ؟!!! وما أثر التخلق به ؟!!
1- ينعم إفراد المجتمع بالمودة والتراحم والألفة , فتتحقق السعادة للجميع , مصداقا لحديث نبينّا صلى الله عليه وسلم ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) رواه مسلم.
2- تماسك المجتمع وتكافله , وهذا من أعظم آثار محبة الخير للمسلمين .فإذا تخلق أفراد المجتمع بهذا الخلق أصبح لدينا مجتمع متكاتف قوي لا تزعزعه الفرقة ولا يفرقه الخصام فيكون كما قال صلى الله عليه وسلم المؤمن للمؤمن كالبنيان ,يشد بعضه بعضا , وشبك بين أصابعه)رواه البخاري
3- بمحبة الخير للمسلمين وإيصاله إليهم نكسو عاريهم , ونطعم جائعهم , ونساعد فقيرهم , ونكفيهم الحاجة والعوز.
4- إن محبة الخير للمسلمين تقود صاحبها الى ترك الأخلاق السيئة والصفات الذميمة كالحسد والحقد والأنانية والجشع فيكون المرء محبوبا لدى الجميع , مقبولا لديهم
5- وأخيراً فبمحبة الخير للمسلمين يتحقق الكمال الإيماني في النفس , وتستكمل خصال الإيمان كما ورد في الحديث ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )متفق عليه إن محبة الخير للمسلمين خلق عظيم , تقتضي من صاحبها المسارعة في الخيرات , كما تقتضي تحمل أذى الناس , والتغاضي عن هفواتهم , والتخفيف من آلامهم , وهذه أمور تستلزم من صاحبها الصبر , وتدريب النفس على خصال الخير . كما أن مما يعين على التخلق بهذا الخلق كثرة الدعاء قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (10) سورة الحشر .
أحبتي
عاملوا الناس بما تحبِّ أن يعاملوك به ، فمثلاً : إذا أردت أن تعامل شخصاً معاملة فأعرضها أولاً على نفسك ، هل إذا عاملك إنسان بها هل ترضين أم لا ؟ إن كنت ترضون فعامله ، وإلا فلا تعامله ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة ، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه ... ) رواه مسلم.
وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم