..
و هكذا وجد نفسه فوق قاربه البسيط ..
نقطة لا تُذكر .. مهملة الحجم .. و عديمة الوزن
تطفو فوق صفحة المحيط .. و تحت رحمة المحيط
و ما أدراك ما المحيط ..
هذا الوحش الجبار المائي ..
هذا الخِضم اللانهائي ..
فتساءل ما الذي يمنع المحيط من إبتلاعه ..
أعناية إلهية .. أم قانون فيزيائي ..
فتعطل عقله لوهلة .. و تضاربت أفكاره المشوشة
و إختنق الهواء على مشانق البكاء
و ضاقت به الرئة المجهشة ..
و بين عبراته البائسة ..
و زفراته اليائسة ..
و أحلامه باليابسة ..
بدأت سكراته الأخيرة ..
و بدأت الهلوسة ..
*******
مطحون بين شطرين : السماء من فوقي و المحيط من تحتي
كل شيء يبدو صافيا باللون الأزرق
و يبدو خادعا باللون الأزرق
فالسماء تتكور و تنحني لتلاقي المحيط – المتكور بدوره- عند الأفق
و في الأفق سراب يابسة .. و الحقيقة أني لم أعد أبحث عن اليابسة
بل أطوي المحيط وصولا إلي الأفق .. فقط لأصل إلى حافة العالم
و أقفز من فوقها نحو الفضاء الخارجي الفسيح ..
حيث يسيطر الأسود على كل شيء
و لا تتعدي الشموس كونها ذرات ألماس ترصع ثوبه الوقور
الأسود سيد الألوان .. يناديني عند الأفق
و الأفق يبتعد كلما أقتربت
كأني فأر يجري فوق كرة تدور من تحته
فلا يبارحان مكانهما .. رغم جهدهما
الأسود سيد الألوان ليس لأنه رمز العدم ..
و ليس لأنه الموت المترصد بي ..
ولا الحزن الذي يكحل عيوني بالدمع المحترق
بل لأنه لون الليل .. لون الحقيقة بعيدا عن بريق الشمس
و سطوعها الذي يعمي العيون عن ما وراء السماء
و ما وراء القبة الزرقاء..
نعم .. الأسود ليس رمز العدم ...
و هل تطفو الشموس و الكواكب في نسيج من العدم ؟!!
الأسود هو مادة الكون .. هو الأصل .. هو الحقيقة المجردة
بلا خدع بصرية ولا مؤثرات ضوئية .. و فيه تذوب النجوم و الشموس
و يذوب السديم ..
و في الظلام تتساوى كل الألوان .. فلا ينخدع بصرنا بـ بُهرجها الزائف
فما الألوان إلا خدعة ضوئية عجزت عيوننا عن فهمها ..
فـ نقلتها إلى عقولنا بهذا التنوع المبهر الساحر العجيب
فهل الألوان حقيقة ؟؟
أم خطأ في الترجمة .. و سراب جديد؟
*******
رأسي ..
تاج جسدي .. و ملهمتي و معذبتي ..
تضللني احيانا .. و تهديني في أحيان أخر ..
لكنها تبقي أعز ما املك في كل حين ..
فماذا يكون المرء من دون رأسه !!
لكن صداع رأسي الأبدي .. يأتي من الصراع النفسي الأزلي
بين الروح و الجسد ..
فـ روحي ملائكية بريئة و جسدي عربيد ممسوس وكل ملح المحيط لن يطرد منه الشيطان
و جل ما أريد في محنتي هذه هو السلام .. فـ أنا لم أعد أشتاق الي اليابسة .. و لا أبحث عنها
فحين تكف روحي عن احتقار جسدي .. و حين يتفهم جسدي مطلبات روحي .. سترسو الأقدام
و حينها سأجد الشجاعة و سأقف أمام الشيطان وسـ أصفح عنه .. فلا يحتاج وقتها لأن يتبرأ مني .. لأنه أصلا بريء
فـ كل خطاياي اقترفتها يداي .. و اذا ما القيت باللوم عليه سأجد في نفسي من الخسة
و الوضاعة ما يجعلني أكثر شيطنة من الشيطان ..
و الحقيقة أن الشيطان ليس عدوي .. بل هو جزء مني
و الملاك ليس حليفي .. بل هو أيضا جزء مني
و ضميري بينهما حكمٌ و كلمة حقٍ و صوت إله ..
*******
المحيط لم يعد الوحش الذي يخيفني .. و اليابسة لم تعد الكنز الذي اتمناه ..
فالكنز الحقيقي هو كل شجرة زرعتها هناك و كل بيت سيرثه القادمون من بعدي
كل كتاب سطرته بدموعي و دمي رواءً للباحثين عن الحقيقة و العاشقين للونها الأسود
و كل خير صنعته يداي سيمنحني السلام ... و سيحيل جحيم رأسي الي جنة ..
و حينها سيحل الموت ضيفا خفيفا ليقطف زهرة العمر و يقدمها إلى الخير المطلق
و الرحمة المطلقة .. إلى العدل المطلق و الإحاطة المطلقة ... إلى خالق الأكوان
نعم خالق الأكوان ..أعرف أنه موجود .. لأنه ينبض خلف ضلوعي و يجري في العروق
فهل رأي أحدكم الحب يوما بعينه المجردة و بصره المحدود ؟!! .. لكن الحب موجود و كلنا نحب
و الرأس ستبقي تتسائل عن الإيمان و لن تفهمه أبدا ..
لأن الإيمان محله القلب ..
فريد 4/12/2018