ض.ق.ض!
عَلَى عُكَّازَتِهِ المُسِنَّةِ يَتَوَكَّأُ. يَتَقَدَّمُ بِضْعَ خُطُوَاتٍ، ثُمَّ يَقِفُ؛ لِيَلْتَقِطَ بَعْضَ أَنْفَاسِهِ الَّتِي غَافَلَتْهُ وَهَرَبَتْ.
تَمُرُّ بِجِوَارِهِ كُلُّ دَوَابِّ الأَرْضِ، وَ كُلُّهَا أَسْرَعُ مِنْهُ. ظَنِّي أَنَّ الإِنْسَانَ الْوَحِيدَ الَّذِي لَا يَتَأَذَّى مِنْهُ النَّمْلُ هُوَ هَذا الرَّجُلُ.
قَلَّمَا يَنْتَبِهُ لَهُ الْمَارُّونَ بِجِوَارِهِ، وَمَنِ انْتَبَهَ قَلِيْلٌ مِنْهُمْ يَأْبَهُ بِهِ.
ذَاتَ يَومٍ صَدَمَهُ فَتًى بِدَرَّاجَاتِهِ الهَوْجَاءِ؛ فَسَقَطَ أَرْضًا يَتَأَوَّهُ. تَابَعَ الْفَتَى سَيْرَهُ كَأَنَّ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ.
هُرِعَ أَهَالِي المِنْطَقَةِ إِلَى العَجُوزِ، وَأَقَامُوهُ. لَهِجَ لِسَانُهُم بِالسُّبَابِ لِذَلِكَ الَّذِي طَارَ.
الْعَجُوزُ يُلَمْلِمُ فِي صَمْتٍ مَا تَنَاثَرَ مِنْهُ مِنْ قُوَّةٍ مُتَدَاعِيَةٍ، وَمِنْ دُمُوعٍ تَسِيلُ عَلَى خَدَّيْهِ دُوْنَ تَوَقُّفٍ. حَاوَلَ المُهْتَمُّونَ تَهْدِئَتَهُ، فَمِنْهُمْ مَن قبَّل رَأْسَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَبَتَ عَلَى كَتِفِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَظَّفَ ثِيَابَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَحْضَرَ لَهُ شَرْبَةَ مَاءٍ مُحَلَّاةً، وَهُوَ بَعْدُ لَا يَنْطِقُ.
بَعْدَ مُدَّةٍ اسْتَعَادَ الرَّجُلُ سَكِيْنَتَهُ الْمُعْتَادَةَ، وَاسْتَقَامَ عَلَى رَفِيقَتِهِ، وَتَابَعَ سَيْرَهُ مُرَدِّدَا:
" ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً، ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً"