Hi , whate are you doing here ?!0
!! She was asking about you all time
قلت محدثا نفسي ( الله لا يجيبك انتي واياها ) ، والشئ الذي استغربته من لهجتها هذه المرة هو أنها لم تكن بعفويتها التي أعهدها منها وكأنها أعدت هذا الكلام مسبقا لتقله وقتما تراني مما جعلني أحس ولأول مرة من نظرة عينيها الوادعتين شعور بالغيرة ! مع أني لا أجد داعيا وجيها لهذا والسبب أنه لم تكن تربطني بها علاقة فقد تعرفتها بالمصادفة في مكتبة للكتب القديمة عندما أتت تسأل عن كتاب كنت قد أعجبت به عند قراءتي له ومن ثم نظرته بعين النقد فوجدت فيه ثغرات جعلتني أشعر بأنني أنزلت مؤلفه فوق منزلته وهمشت على غلافه أهم مآخذي عليه ، أما هي فسألت عنه وكأنها برفع صوتها لطلب ذاك الكتاب قد ظنت أنها ستلفت نظري وأنا في زواية بين رفوف تلك المكتبة العتيقة للمثقف داخلها ! ولم يكن بحسبانها أنها لا تجده في هذه المكتبة إذ اعتذر صاحبها بنفاد ذلك الكتاب منذ زمن ليس بالقريب !( كنت استرق السمع واتظاهر باللامبالاة ) !! وكأني بها قد شعرت بالخيبة لمعرفتي هذا الشعور جيدا و الذي أشعره في قمة اندفاعي لأحد الكتب وللأسف لا أجده – خصوصا في بلادنا – التي طالما تعذر وجود كتب لمنع أو غيره .فذكرت لها أنه موجود لدي وأنه بإمكانها استعارته لحين الفراغ منه إذ أنه لم يعد يعجبني أو يغريني بالعودة لقراءته فظلت تجادلني في كلامي حتى قالت : أكون ممتنة جدا إن كان بإمكانك إعارتي إياه وسأرده في أقرب وقت بعد تصويره فقلت بكل سرور ! وتعرفنا بعدها إلى بعضنا وانقلبت هذه المعرفة إلى شئ أقرب ما يكون للود الذي لا تخالطه أي مشاعر من كلينا وإن كنا نأنس لبعضنا نظرنا لاتفاقنا في مسارات كثيرة من القراءة ومتابعة المشهد الثقافي ، ولم أكن أشعر منها بشئ من غيرة خصوصا وأنه جمعني بها وغيرها من الفتيات كثير من مكان وزمان !
ترى لم أحسست بهذا الإحساس ؟! لا أدري ، فربما أكون مخطئا في تقديري ! هذا وارد .
وحتى إن لم أكن مخطئا فما الذي يدعوها لمثل هذا خصوصا وأنه لم يدر بيني وبين صاحبتها التي استدعت أشباح الماضي في ليلة عيد الميلاد تلك أي حديث أو أي شئ من هذا !
هل تضايقت من سؤال صاحبتها عني كما تقول طوال الوقت ؟! ربما إذ أني لست متأكدا .
ولكن الشئ الوحيد الذي بت متأكدا منه أني أصبحت أستثقل رؤيتها بعد كنت آنس لها للتخفيف من ضغط الواقع وعناء الجهد من اكمال البحث والقراءة لا سيما وأنها مثقفة وقارئة جيدة إضافة إلى لطافتها وحس الدعابة فيها ، وزاد استثقالي إياها ما ذكرته لي من طلب صاحبتها أن ترتب لنا الثلاثة موعدا نجتمع فيه ! وهذا هو آخر ما كنت أحتاج إليه وأنا الذي لم أشف من نظرتها الأولى بعد ! ولغبائي ظننت أني قد طهرت جرح ذاكرتي وأوصدت دون غشيانه ألف باب إلى أجل غير مسمى ! وها هي الذكرى تعود كمن أخذه طيف حلم في خفقة نعاس لأيام سلفت وتقادمت بحلوها ومرها !
ألّح العريس وبشدة على حضوره حفل زفافه ( إليها طبعا ) وأنه لا ينسى له مشاركته ليلة عمره وفرحته ، فأجابه : إن شاء الله إن لم يمنع من ذلك مانع ! وفي الحقيقة كان بداخلة نيران تتوقد ولم يكن لها من وقود سوى آخر حلم من أحلام الطفولة وذكرى الماضي !
وكلما خبا أوار تلك النار أو شارف ألهبها تحدثهم بأنها قد جهزت من المدينة الفلانية واستأجرت الفرقة الفلانية ! واشترت كذا وكذا ، ليكون أكبر همه أن يتحاشى النظرات لا سيما وأنهم كانوا يرفقون به أشد الرفق إذ لا يتحدثون عنها بحضرته لعلمهم بحبه المقدس الذي تكسر على صخر الأمر الواقع إلا ما جاء على ألسنتهم عرضا ! ليمتن لهم بالتستر على جريمة انكسار بحق قلبه وضعف موقفه !
ولم تزل تلك الليلة حاضرة في غور الذهن وغياهب الذكرة يطمر ذكراها في لجج الذاكرة ويلحدها في قبر الماضي لتبعثها من مرقدها كلمة عابرة من شخص سخيف ! تتمرأى تلك الليلة بتاريخها ولونها وشحوبها ووصبها وآلامها وأحزانها ! لا يزال يذكر كيف شغل سيارته قبيل المغرب وأدار مقودها يجوب طرقا قد تشابهت عليه إذ كانت كل ما فيها يؤذن بالفقد ويتشح بالكآبة أرصفتها أشجارها وشوارعها ! حتى الصوت الذي ينبعث من مسجل سيارته كان سخيا معه إذ كان يتصاعد من سماعتيه : الأسامي هِيّ هِيّا والألووووب تغيرت !
خرج من المدينة وظل يرقب غروب الشمس ويحس الثواني كئيبة ثقيلة بطيئة كأنما هي شهور طوال ! يستجدي الدمع يستحث شؤون عينه ولكنها لم تسعفه بمأمل ! وعرف حينها المعنى الحقيقي الذي ينطوي على " عصي الدمع " شيمته الصبر !
لم ولا ولن يستطيع أن يترجم ما زاحم فراغ قلبه تلك الليلة ! ولم يشفه النسيان فترة من الزمن إلا وأمرضته الذكرى بهب سموم من طيفها لتقلبه كريشة في مهب رياح الماضي السحيق !
وأبت الجراح إلا أن تسيقظ تلك الليلة الشتائية الباردة ( في عز المربعانية ) حتى تصبب لها عرقا ويداه من البرد ترتجفان ! برده على الهاتف الذي قطع عليه قراءته بعد أن جد فيها ، وذهب ليفصله ولكنه رأى أن المتصل لم يكرر اتصاله إلا لضرورة ، وبعد تفكير لم يدم طويلا إذ قطعت احتمالية متداده يده التي التقطت السماعة ببطء : قائلا : نعم ..
وما إن سمع من المتصل سلامه حتى ذهل وتسمر في مكانه ، كانت هي على الطرف المقابل من المكالمة ..
غص برد السلام وتزايد نبضه لا يحير جوابا ولم يسعفه للرد فتات كلمة !
شلونك ؟! وش أخبارك ؟!
أنا ؟! طيب الحمد لله !!
وش مسوي ؟!
ماشي الحال بنعمه !
( أنتم ) !!! وش أخخ تعثرت كلمته بالصمت وذوت على شفته الجافة وعقها اللسان فلم يبن ! ولكنها أجابته أنهم بخير حال !
ما عليش ممكن اكلف عليك إذا ما كنت مشغول !!
لا عادي .. ليه وش فيه ..
والله اني محرجه منك لكن ما عندي أحد وخلص الغاز وبنتي ذبحها البرد ! اذا مافيه كلافه تعبيه لنا ! الحين اطلع الاسطوانة ومر أعطيك فلوسها !
خلاص دقايق وجاي !
أخذ من بيت أهله اسطوانة ليسوا بحاجتها وأخذها لها ، وضعها عند الباب ليعود ادراجه راجعا وإذ بها تناديه بعد أن سمعت صوت الاسطوانة لتعطيه قيمتها فرفض ! وإذ بابنتها تخرج وتقترب فتقول لها : سلمي على عمك بيووونه وادخلي عن البرد ! سلمي على عمك بيووونه !! سلمي على عمك بيووونه !!! قبّل بيوووونه وفي داخله ألف جرح ينزف ، وآهة مكتومة عصرت قلبه وأحكمت يد الزمن قبضتها عليه ! فاستفاق من سكرة ذهولة على صوت شكرها : يعطيك العافية ما قصرت ! كلفنا عليك !
قال وهو يعود القهقرى : لا أبد مامن كلافه !
استدبرته ريح الألم في يوم ذكرى عاصف فاستقبل ذكريات قديمة لم تزل بها الذاكرة حبلى لم يضع جنها مخاض النسيان !
وأشبه ما يكون حَبَلُ الذاكرة بحمل الأيام !! ولكن حبل الأيام أدرك جذع نخلة أكل من رطبها جنيا فأسفر عن وِلْد المفاجآت ! ولم تزل تلقحها النوائب فتُـتـْئم بهول إثر هول !
سامحك الله رولين !! لم ألححت عليه في الحضور !