رحلة المقبرة
بقلم : سامي المعمري
"السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين، أنتم السابقون ونحن إن شاء الله بكم لاحقون"
نطقـتُ عبارتي هذه ما إن وطأت قدماي أرض (المقبرة) ، ورجلاي تسير بي جناحية "القبور" في ريبةٍ وسكينة.. رويداً رويداً..
أستنشقُ رائحة "الــموت" التــي تجـوبُ المكـــان..
قبور ٌ تتـوسَّد على الثـرى.. والأجســاد تختبأ نائمــةً في سُباتٍ عـميــق..
تأملتُ طـويلا ً في تلك القبـور وأصحــاب تلك القبـور..
كم لعبوا ، وكم ضحكـوا ، وكم ساروا ، وكم مـشــوا..
كم حلِمــوا، وكم تأمـلُّوا ،وكم حزنوا ،وكم بكـُـوا..
وفــي النهاية قادهـم الموت ليلتحـفـون بالتراب و يستقـرُّون تحت الأجداث إلى يـوم يـُـبعـثون..
قرأتُ "الفاتحـة"على أرواح أحبابــي..وذرفـتُ دمعاتٍ من مـُـقـلتاي على من كانـوا بيننا وذهبـوا عنَّـا..بكيـتُ على أولئــك الذين جلسنـا معهم نضحك و نـأكـل و نشرب ، فإذا بهـم يختـفون عنا إلى المصير الذي لن يـُـعيدهم لنا..!
وقفت ُ مُـتأملا ً لوهلــة:
ما هو الموت..؟
وإلى أين سيذهب الموتــى..؟
وكيف سيعيش هؤلاء الأموات في عالم البرزخ..؟
هل يعلمون بما يدور في الدنيا..؟
هل يعلم الميت بمن بكاه ُ و بـمن رثـاه..؟
قـلت ُ لنفسي أجيبي يا " نفس" ،لماذا أنت صامـدة ٌ صامتة لا تخترقين حجـاب (الغيـب) ؟!
ولماذا أنت يا نـفس ُ ضعيفـة؟! ولماذا تكتـسين الصمـت وتلبسين الضـعـف..؟!
نعم..إن حكمة الله فوق كل شيء..خلق "النفس"ليجعلها تدور في إطار ٍمحـدود..ومهما حاولنا بعقولنا نجوب آفـاق "الغيـب" ستقـع بنا إلى مُستنقع ( اللاجــواب)!
لا جواب ، و لا جواب..و الجـواب يختبأ في زحمــــة " الســراب"..!
إستذكرت ُ قول الله تعالى: (ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربـي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)
تـأوهت قليلاً ، وهممت ُ بالعودة..وصرتُ أردد المقطع الشعري هذا ،وأنا في طريقي إلى منزلـي :
أتعبتُ نفسي في عمارة منزلي ..زخرفته وجعلته لي مســــكنا
حتى مَررتُ على القبـــور فقال لي..عقلي ستُنقل من هُـناك إلى هُنا
عـدت ُ إلى المنزل..وفي جُـعبتي تأمـلات ٌ وأسئلـة لم أجـد لها أجـوبـة..!
وضـعت ُ رأسـي على وسادتــي ، مُـتاملاً في رحلتي إلى المقبـرة..رحلة ٌ بين الحلم والحقيقة ، رحلة ٌ بين التأمل و الواقـع ، رحلة ٌ بين المادة والروح ، رحلة ٌ بين المعقول والمجهـول ، رحلة ٌ بين ضجـيج الدنيا و سكون المـوت.
أغمـضـت ُ عيناي قارئـاً (الفاتحـة) على روحـي التي ستنام لكي لا تـُـؤخذ من مرقدها،فالموت يأتي بغتـة ، فاليوم رأسـي تحت وسادتــي وغداً سيكــون اللحـدُ مـضجعـي.