فيتو على نون النسوة.
(1)
يَقولونَ:
إنَّ الكتابةَ إثمٌ عظيمٌ..
فلا تكتُبي.
وإنَّ الصَّلاةَ أمامَ الحُروفِ.. حرامٌ
فلا تَقْربي..
وإنَّ مِدادَ القَصائدِ سُمٌّ..
فإيّاكِ أنْ تشْرَبي.
وها أنَذَا
قدْ شرِبْتُ كثيراً
فلمْ أتسمَّمْ بحِبْرِ الدَّواةِ على مَكْتبي
وها أَنَذا..
قدْ كتبْتُ كَثيراً
وأضرَمْتُ في كلِّ نجمٍ حريقاً كَبيراً
فلا غضِبَ اللهُ يوماً عليَّ
ولا استاءَ مِنّي أبي..
(2)
يَقولونَ:
إنَّ الكلامَ امتيازُ الرِّجالِ..
فلا تَنْطِقي!!
وإنَّ التغزُّلَ فنُّ الرِّجالِ..
فلا تَعْشَقي!!
وإنَّ الكتابةَ بحْرٌ عميقُ المياهِ
فلا تَغْرَقي..
وها أَنَذا قد عشِقْتُ كَثيراً..
وها أَنَذا قد سبَحْتُ كَثيراً..
وقاومْتُ كلَّ البِحارِ ولمْ أغرَقِ..
(3)
يَقولُونَ:
إِنّي كسَرْتُ بشِعْري جِدارَ الفَضيلَةْ
وإنَّ الرِّجالَ همُ الشُّعراءْ
فكيفَ ستولَدُ شاعِرةٌ في القَبيلَةْ؟
وأضحَكُ مِنْ كُلِّ هَذا الهُرَاءْ
وأسْخَرُ ممَّنْ يُريدونَ في عصرِ حرْبِ الكَواكبِ..
وَأْدَ النِّساءْ..
وأَسْألُ نفْسي:
لماذا يكونُ غِناءُ الذُّكورِ حلالاً
ويُصبحُ صوتُ النِّساءِ رذيلةْ؟
(4)
لماذا؟
يُقيمونَ هذا الجِدارَ الخُرافيَّ
بينَ الحُقولِ وبينَ الشَّجَرْ
وبينَ الغُيومِ وبينَ المطَرْ
وما بينَ أُنثى الغَزالِ، وبينَ الذَّكَرْ؟
ومَنْ قالَ: للشِّعْرِ جِنْسٌ؟
وللنَّثْرِ جِنْسٌ؟
وللفِكْرِ جِنْسٌ؟
ومَنْ قالَ: إنَّ الطَّبيعةَ
ترفُضُ صوتَ الطُّيورِ الجَميلةْ؟
(5)
يَقولونَ:
إِنّي كَسرْتُ رُخامَةَ قَبْري..
وهَذا صَحيحْ..
وإِنّي ذَبَحْتُ خَفافيشَ عَصْري..
وهذا صَحيحْ..
وإِنّي اقتلعْتُ جُذورَ النِّفاقِ بشِعْري
وحَطَّمْتُ عَصْرَ الصَّفيحْ.
فإنْ جَرَّحُوني..
فأجْملُ ما في الوُجودِ غَزالٌ جَريحْ
وإن قتلوني فشكراً لهم
لقد وضعوني بكون فسيح
(6)
يَقولُونَ:
إنَّ الأُنوثةَ ضَعْفٌ
وخيرُ النِّساءِ هي المرأةُ الرَّاضِيَةْ
وإنَّ التَّحرُّرَ رأسُ الخَطايا
وأَحْلى النِّساءِ هي المرأةُ الجَارِيةْ
يَقولُونَ:
إنَّ الأَديباتِ نوعٌ غريبٌ
مِنَ العُشْبِ.. ترفُضُهُ البَاديةْ
وإنَّ التي تكتُبُ الشِّعْرَ..
ليسَتْ سِوى غَانِيَةْ!
وأضحَكُ من كُلِّ ما قِيلَ عَنّي
وأرفُضُ أفكارَ عَصْرِ التَّنَكْ
ومَنطقَ عَصْرِ التَّنَكْ
وأَبْقى أُغَنّي على قِمَّتي العَاليَةْ
وأعرِفُ أنَّ الرُّعُودَ سَتَمْضي..
وأنَّ الزَّوابِعَ تَمْضي..
وأنَّ الخَفافِيشَ تَمْضي..
وأعرِفُ أَنَّهم زَائِلونْ
وأَنّي أَنا البَاقِيَةْ..
سعاد الصباح .
شاء القدر أن أكون من فلسطينيي الشتات لأجد نفسي مولودة في اليمن وطني الأول .. وشاء القدر أن تكون صديقتي وحبيبتي وتوأم روحي وأمي الخالدة سعاد الصباح التي رافقتني قصائدها الجميلة طوال حياتي .. لقد رسمت لي خطوط دربي التي امشي عليها وأحيا وأموت على مذهبها الأدبي والحياتي ولم أزل أتذكر بعض أقوالها :
- يجب ألَّا يتخلى الشاعر عن جنونه عند كتابة القصيدة .
- من عادتي في الحب أن أذهب إلى آخر حدود الجنون .
- دائماً هناك من يخاف من القصيدة إذا كانت حرة تلك الحرية المسؤولة التي لا تكسر النواميس ولاتستهزئ بالأعراف أما القصيدة المنقادة التقليدية المسالمة المُسَلَّمَة فتباركها القبيلة .
- ما زال هناك من يرى في المرأة قطعة حلوى وزغاليل حمام .. ليس من حقها أن تحب .. ليس من حقها أن تصرخ ، أو تغضب أو تنفجر ، وطوال الطريق الذي مشيته نالني الكثير من الحجارة والشتائم ولولا أبٌ كان السند ، وزوجٌ كان المنارة ، وبيئة صحية عشت فيها ، تؤمن بالمرأة وتساند عقلها وتدعم حريتها لكنت من ضمن آلاف الموؤدات.
وكما ذرفت المدامع قصائد صديقتي سعاد الصباح نيابة عن عيون النساء ستكون قصائدي هي الباكية الماطرة .