منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - ذَاكِرَةٌ مُكَعَّبَةٌ | مُحَمَّدْ الْبْلُوِي
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-20-2014, 03:58 AM   #6
محمد سلمان البلوي
( كاتب )

افتراضي أَسْلَاكٌ شَاهِدَةٌ | محمد سلمان البلوي



أَسْلَاكٌ شَاهِدَةٌ

وَامْرَأَتِي تَقُوْلُ: أُرِيْدُ أَنْ أَنَامَ؛ فَالنَّوْمُ جَمِيْلٌ وَحُلْوٌ مَذَاقُهُ كَالْأَطْفَالِ أَوْ كَالْحَلِيْبِ! تَكَادُ تَجْرَحُنِي الْأَلْوَانُ وَتَذْبَحُنِي الْأَوْتَارُ وَالْحُرُوْفُ الصَّامِتَةُ! عَمَّا قَلِيْلٍ: سَتُمْطِرُ الدُّنْيَا غِيَابًا! وَقُلُوْبُنَا الْهَشَّةُ؛ لَا تَحْتَمِلُ عَوَاصِفَ الشَّوْقِ وَلَا هَبَّاتِ الْحَنِيْنِ! أُشْبِهُ الدَّمْعَةَ؛ إِلَّا أَنَّني غَيْمَةٌ تَبْكِي شَجَرَةً فِي بِرْوَازٍ مُنَمَّقٍ وَعَتِيْقٍ، وَأُشْبِهُ الصَّرْخَةَ؛ إِلَّا أَنَّني حَنْجَرَةٌ فِي صُنْدُوْقٍ مُذَهَّبٍ وَمُوْصَدٍ بِالْحَرِيْرِ، وَلَيْتَهُ صَوْتِي كَانَ حُرًّا! كَمَا بَصِيْرَتِي، كَمَا أَنْتَ فِي صَدْرِي وَتَصَوُّرِي، وَلَيْتَهُ صَبْرِي كَانَ بَحْرًا! كَي لَا تَنْهَشنِي الْعِجَافُ بِالْجَفَافِ، وَتَهْشِمنِي الظُّنُوْنُ بِالزُّعَافِ وَبالْوَجَعِ الْعَنِيْفِ. يَأْتِي الْحُزنُ -فِي التَّرْتِيْبِ- أَوَّلًا، يَأْتِي قَبْلَ الْفَرَحِ وَبَعْدَهُ، وَيَأْتِي مَعهُ، وَمَعهُ نُوْلَدُ وَنَمُوْتُ، كَأَنَّهَا النَّايَاتُ حَنْجَرَةَ اِمْرَأَةٍ تَقُوْلُ: "أُحِبُّكَ". وَلَكِنْ تَقُوْلُهَا بِحُزْنٍ شَدِيْدٍ! وَأَتَعَجَّبُ مِمَّا هُوَ مَثْقُوْبٌ؛ كَيْفَ أَنَّهُ -بِبُطءٍ شَدِيْدٍ- يَمْتَلِئُ؛ فَيَطْفَحُ! وَكَيْفَ أَنَّهُ -فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ- مِنْ قَعْرِهِ يَسِيْلُ وَمِنْ جَنَبَاتِهِ يَرْشَحُ بِالْجَمِيْلِ! يَجْلِسُ الثَّلْجُ عَلَى مَقَاعِدِ الْقَلْبِ مُنْتَظِرًا؛ دِفْءَ اللِّقَاءِ، وَعَوْدَةَ الْوَقْتِ بِالْأَحِبَّةِ؛ وَفِي يَدِهِ الْبَيْضَاءَ وَرْدَةٌ مُبْتَلَّةٌ، وَفِي عَيْنَيْهِ شَمْعَتَانِ تَتُوْقَانِ لِلْخَرِيْرِ، وَعَلَى الْأَسْلَاكِ الشَّاهِدَةِ تُرَابِطُ الْحَمَائِمُ مُبْتَهِلَةً؛ وَفِي فَمِ كُلٍّ مِنْهَا أُغْنِيَةٌ، وَتَحْتَ جَنَاحَيْهَا عِنَاقٌ حَارٌّ وَقَمْحٌ وَزَيْتُوْنٌ كَثَيْرٌ.

يَا رَفِيْقَتِي: هَلْ يَحْتَمِلُ الْعُمْرُ جُنُوْنًا آخَرَ؟ وَالْحَيَاةُ هَلْ فِيْهَا مُتَّسَعٌ لِحُلْمٍ أَخِيْرٍ؟ هَا إِنَّنِي أَتَعَلَّمُ كَيْفَ أُخْطِئُ مِنْ جَدِيْدٍ، وَأُحَاوِلُ -رَغْمَ السَّلَاسِلِ- أَنْ أَطِيْرَ، هَا إِنَّنِي أَصُدُّ الرِّيْحَ بِالرُّمْحِ، وَبِالسَّيْفِ أَقْطَعُ جَسَدَ الظَّلَامِ إِلَى نِصْفَيْنِ أَوْ بِالْوَقْتِ؛ لِتَمُرَّ خُيُوْلُ الضُّوْءِ دُوْنَ سُوْءٍ، وَيَنْسَابُ اللَّوْنُ عَلَى الدُّنْيَا وَالْأَنْغَامُ، وَيُسَلِّمُ عَلَيْهَا السَّلَامُ. وَهَا أَنْتِ -رَغْمَ الْحُزْنِ- كُلَّمَا اقْتَرَبْتِ؛ ضَحِكَتِ الصُّوْرَةُ فِي عَيْنِي، وَتَرَاقَصَتِ الْأَلْوَانُ، وَصَارَتِ الْمَسَافةُ فَرَاشَةً، وَالْخُطَى فُرْشَاةً! أَعْرِفُكِ؛ مِنْ حَفِيْفِ الْمَاءِ فِي عَيْنَيْكِ، وَمِنْ تَقَصُّفِ الْمِلْحِ فِي صَدْرِ صَمْتِكِ، وَتَعْرِفِيْنَنِي؛ مِنْ صَرِيْرِ الصَّلْصَالِ فِي أَصَابِعِي، وَمِنْ هَدِيْلِ النَّاي فِي قَصَبَةِ حِبْرِي. بِالْمَوْتِ -أَوْ مِنْ دُوْنِهِ- سَنَصِيْرُ ذِكْرَى، إِنْ تَذَكَّرَنَا أَحَدٌ، وَهَا إِنَّا نَسِيْرُ بِحِيْرَتِنَا الْكَامِلَةِ إِلَى الْمَجْهُوْلِ، عَلَى حَافَّةِ حُلْمٍ مَبْتُوْرٍ نَسِيْرُ، لَا ضَوْءَ مَعَنَا، وَلَا ظِلَّ لَنَا، وَلَكِنَّنا مَعًا، وَغَالِبًا لَنَا، مَعًا؛ كَمَا لَوْ كَانَ الْكَوْنُ كُلُّهُ فِيْنَا، وَلَنَا؛ كَمَا لَوْ كَانَ كُلُّ مَا فِيْهِ مِنَّا، وَسَنَبْقَى مَعًا؛ كَمَا لَوْ كَانَ السُّؤَالُ يَجْمَعُنَا، كَمَا لَوْ كَانَتِ الْإِجَابَةُ لَا تُفرِّقُنَا، وَلَنَا؛ كَمَا لَوْ كَانَ لَا أَحَدَ غَيْرنَا يَرَانَا وَيَسْمَعُنَا، كَمَا لَوْ كَانَ لَا شَيءَ فِي الْوُجُوْدِ يَسْتَعْبِدُنَا. وَثَمَّةَ حَظٌّ هَا يَهْوِي بِنَا، وَثَمَّةَ اِحْتِمَالٌ هَا يَرْفَعنَا؛ فَنَبْقَى مُعَلَّقَيْنِ - رَغْمَ سَيْرِنَا- فِي مَصِيْرِنَا؛ لَا تَسْقُطُ فِي الظَّلَامِ رَايَاتُنَا، وَلَا تَطْمِسُ مِمْحَاةُ الضَّلَالِ خَطَوَاتِنَا. يُمْكِنُهَا الْجُدْرَانُ أَنْ تَكُوْنَ أَبْوَابًا، وَالْأَبْوابُ جُدْرَانًا، وَأَنْ تَكُوْنَ النَّوَافِذُ الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا، وَالسَّتَائِرُ أَجْنِحَةً وَأَشْرِعَةً وَمُهَجًا تَسِيْرُ، يُمْكِنُهَا أَنْ...، وَلَكِنَّهَا...، وَلَكِنَّنَا...، وَهَا إِنَّنِي...، هَا إِنَّنَا...، أَلَا تَرَي...؟! أَلَا تَرَي...؟! عَيْنَاكِ مَعِي، وَمَعِي رَبٌّ قَدِيْرٌ.

محمد سلمان البلوي

 

محمد سلمان البلوي غير متصل   رد مع اقتباس