منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - ذَاكِرَةٌ مُكَعَّبَةٌ | مُحَمَّدْ الْبْلُوِي
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-06-2014, 09:50 AM   #2
محمد سلمان البلوي
( كاتب )

افتراضي الْحُبُّ الْحَقِيْقِي | مُحَمَّدْ الْبْلُوِي



الْحُبُّ الْحَقِيْقِي

اِسْمُكِ، بِحُرُوْفِهِ الْأَرْبَعَة، أَعْرِفُهُ جَيِّدًا، وَتَتَشَبَّثُ بِهِ ذَاكِرَتِي؛ كَمَا لَوْ أَنَّهَا اِتَّخَذَتْهُ اِسْمًا لَهَا، أَمَّا أَنْتِ؛ فَلَا أَعْرِفُكِ، أَكْذِبُ إِنْ قُلْتُ أَعْرِفُكِ، وَأمَّا وَجْهُكِ؛ فَعَنْ ظَهْرِ حُبٍّ أَعْرِفُهُ، لَا أَعْرِفُ كَيْفَ تَسَلَّلَ إِلَى جِهَاتِي كُلِّهَا، وَلَكِنَّهُ صَارَ وِجْهَتِي الْوَحِيْدَة؛ ثُمَّ مَحَطَّتِي الْأَخِيْرَة. لَا أَرَاكِ كَامْرَأَةٍ، وَلَا أَتَذَكَّركِ إِلَّا كَفِكْرَةٍ نَاضِجَةٍ؛ لْنْ أَقُوْلَ عَابِرَةً؛ وَلَكِنَّهَا فِي لَحْظَةٍ مَا عَبَرَتِ الْفَضَاءَ لِتَشْرَبَ مِنْ مِدَادِ رُوْحِيَ قَطْرَةً، ثُمَّ اِسْتَقَرَّتْ؛ فَأَغْرَقَتْنِي فِي فَرَاغِ غُمُوْضِهَا، وَبَيْنَ يَقِيْنِي وَتَخْمِيْنِي؛ أَبْقَتْنِي حَائِرًا وَمُعَلَّقًا. وَالْعَجِيْبُ! أَنَّنِي بِكِ أَعْرِفُنِي، لَيْسَ تَمَامَ الْمَعْرِفَةِ، وَلَكِنْ بِمَا يَكْفِي لِأَنْ: أُحِبَّنِي قَلِيْلًا، وَأَكْرَهَنِي كَثِيْرًا، وَأُحِبَّكِ كَثِيْرًا، وَأَكْرَهَكِ قَلِيْلًا. وَأَظُنُّهَا الْقَضِيَّةُ أَكْبَرُ مِنْكِ وَأَكْبَرُ مِنِّي، وَأَكْبَرُ مِنَ الْمَحَبَّةِ وَالْكُرْهِ، لَا أَعْرِفُ كُنْهَهَا عَلَى وَجْهِ الدِّقَّةِ، وَلَا أَعْرِفُ مِنْ أَيْنَ أَتَتْ وَلَا كَيْفَ وَلَا مَتَى بَدَأَتْ! وَلَكِنِّي أَبْصَرْتُ أُمِّي تَبْكِي -ذَاتَ يَوْمٍ- وَأَبِي يَضْحَكُ، فَقَطْ؛ يَضْحَكُ؛ فَأَدْرَكْتُ أَنَّ ثَمَّةَ شَيْئًا مَا غَابَ عَنِّي؛ أَوْ سَقَطَ مِنِّي. كَانَتْ تَبْكِي بِسَبَبِهِ وَلِأَنَّهَا أَحَبَّتْهُ، وَكَانَ يَضْحَكُ لِسَبَبٍ مَا، رُبَّمَا لَا عَلَاقَةَ لَهَا بِهِ، وَأَنْتِ مِثْلُ أُمِّي، وَأَنَا مِثْلُ أَبِي؛ عَلَّمَتْكِ، وَعَلَّمَنِيْ، عَلِمَا، فَعَلِمْنَا: أَنَّ عَلِيْهَا أَنْ تُحِبَّ وَأَنْ تَبْكِي، وَأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَضْحَكَ لِسَبَبٍ مَا.

تُشْبِهُ الْكِتَابَةُ إِلَى اِمْرَأَةٍ مَا؛ الْكِتَابَةَ إِلَى أُمَّةٍ بِأَسْرِهَا، وَأَنَا لَا أُرِيْدُكِ قِدِّيْسَةً وَلَا مَاجِنَةً، فَقَطْ؛ كُوْنِي إِنْسَانَةً، ثُمَّ كُوْنِي، إِنْ شِئْتِ، مُقِيْمَةً أَوْ زَائِرَةً. لَوْ أَدْرَكَ الرِّجَالُ، يَا عَزِيْزَتِي، أَنَّ مَا يَحْكُمُ كُلَّ اِمْرَأَةٍ فِي عَلَاقَتِهَا بِرَجُلِهَا وَيَتَحَكَّمُ بِهَا؛ هِيَ غَرِيْزَةُ الْأُمُوْمَةِ؛ لَمَا خَسِرَ أَحَدٌ مِنْهُمُ قَلْبَ اِمْرَأَةٍ أَحَبَّتْهُ، وَلَأَثَّرَ كَثِيْرًا فِي قَلْبِ كُلِّ اِمْرَأَةٍ أَحَبَّهَا، إِلَّا أَنْ يَكُوْنَ شَاذًّا أَوْ مُكَابِرًا أَوْ لَئِيْمًا. تُرِيْدُ الْمَرْأَةُ أَنْ يَكُوْنَ الرَّجُلَ طِفْلَهَا، وَأَنْ تَكُوْنَ أُمَّهُ، مُذْ كَانَتْ طِفْلَةً؛ وَهيَ تَحْلُمُ أَنْ تَكُوْنَ أُمًّا، وَمُذْ كَانَتْ أُمَّهُ؛ وَهيَ تُدْرِكُ أَنْ ثَمَّةَ أُمًّا أُخْرَى سَتَسْرِقهُ مِنْهَا. تُرِيْدُ الْمَرْأَةُ مَحَبَّةَ الرَّجُلِ وَحَنَانَهُ وَحِمَايَتَهُ لَهَا...، وَلَكِنَّهَا قَبْلَ هَذَا تُرِيْدُهُ طِفْلًا لَهَا؛ وَلَوْ كَانَ مُشَاغِبًا أَوْ فَظًّا أَوْ غَلِيْظًا. وَيُرِيْدُ الرَّجُلُ -غَالِبًاً- مِنْ كُلِّ اِمْرأَةٍ يَلْقَاهَا شَيْئًا مَا، وَمِنِ اِمْرَأَتِهِ يُرِيْدُ كُلَّ شَيءٍ؛ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيْهِ حَقٌّ، وَلَا يُرِيْدُ أَنْ يَكُوْنَ حَامِيًا وَلَا حَانِيًا وَلَا حَبِيْبًا وَلَا زَوْجًا وَلَا أَبًا... دُوْنَ مُقَابِلٍ. أَنَا لَا أُعَمِّمُ، وَلَا أُحَاوِلُ أَنْ أُخِيْفَكِ؛ وَلَكِنِّي أُصَارِحُكِ بِمَا فِي قَلْبِي؛ لِتَطْمَئِنِّي!.

قَدْ تَكُوْنُ الْعَشَرَةُ عَلَى الشَّجَرَةِ أَضْمَنُ مِمَّا فِي الْيَدِ! وَقَدْ يُعِيْدُ الْعُصْفُوْرَانِ الْحَجَرَ إِلَى الصَّيَّادِ -الَّذِي رَمَى؛ فَأَخْطَأَ- ثُمَّ يَتَظَاهَرَانِ بِالسُّقُوْطِ أَوْ بِالْمَوْتِ! قَدْ...، وَقَدْ...، قَالَتِ الْمَرْأَةُ -وَقَدْ تَجَلَّتْ حِكْمَتُهَا- ثُمَّ أَرْدَفَتْ: أُحِبُّ السَّمَكَ يَكْوْن طَازَجًا، وَأُحِبُّ الشِّبَاكَ تُنْصَب لِي، وَمَحَبَّتِي لِلصَّيَّادِ تَتَوَقَّفُ عَلَى أَشْيَاءَ كَثِيْرةٍ؛ مِنْهَا: هَلْ يَصْطَادُ السَّمَكَةَ لِيَأْكُلَهَا أَمْ لِيَبِيْعَهَا، وَالَّذِي يَحْتَفِظُ –مِنْهُمْ- بِهَا لِلزِّيْنَةِ؛ أَكْرَهُهُ كَثِيْرًا! تُصِيْبُنِي الْمَرَايَا -رَغْمَ مَحَبَّتِي لَهَا- بِالِانْفِصَامِ؛ إِذْ أَنَّهَا تُفرِّقُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالصُّوْرَةِ بِخَيْطٍ رَفِيْعٍ مِنَ الْوَهْمِ أَوْ بِخَطٍّ؛ يَجْعَلنِي أَخْلُطُ بَيْنَهُمَا وَأَحْتَارُ؛ أَيُّهُمَا أَجْمَلُ، وَأَيُّهُمَا أَقْرَبُ إِلَى الْحَقِيْقَةِ. تِلْكَ كَانَتْ حَبِيْبَتِي، وَلَمْ أَكُنْ حَبِيْبَهَا. تِلْكَ كُنْتُ حَبِيْبَهَا، وَلَمْ تَكُنْ حَبِيْبَتِي. كُنَّا بَيْنَ الْمَحَبَّةِ وَالْكُرْهِ؛ نَتَبَادَلُ التُّهَمَ وَالْأَدْوَارَ وَالضَّحِكَ وَالْبُكَاءَ وَالْقُبَلَ وَالشَّتَائِمَ الْبَذِيْئَةَ، وَكَانَتْ تُصِيْبُنِي حِكْمَتُهَا بِالدُّوَارِ، وَحَمَاقَاتِي تُصِيْبُهَا بِالْغَثَيَانِ؛ وَلَكِنَّنَا لَمْ نُعْلِنْ –وَلَوْ لِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ- أَمَامَ نَفْسَيْنَا الْهَزِيْمَةَ، كُنَّا نُكَابِرُ مَا اسْتَطَعْنَا؛ كَي لَا يَتَغَلَّبَ عَلَيْنَا الْفِرَاقُ، وَنُعَانِدُ الْإِهْمَالَ وَالنِّسْيَانَ؛ بِاخْتِلَاقِ الْمُصَادَمَاتِ وَالْمُصَادَفَاتِ، كَأَنْ أَدْلُقَ الْقَهْوَةَ عَلَى رُكْبَتِهَا؛ فَتَثُوْر! أَوْ تَدُسَّ فِي جِيْبِ قَمِيْصِي رِسَالَةً مَجْهُوْلَةَ الْهَوِيَّة؛ ثُمَّ تَتْهِمنِي بِالْخِيَانَةِ وَالْعُقُوْقِ! كَانَتْ مَجْنُوْنَةً، وَكُنْتُ أَكْثَر مِنْهَا جُنُوْنًا، وَكَانَتْ أَيَّامُنَا جَمِيْلَةً، جَمِيْلَة جِدًّا وَعَجِيْبَة!.

وَالْيَوْم؛ لَا سَمَاءَ تُظَلِّلُ خَيْمَتِي، وَلَا وَسِيْلَةَ تُنْقِذُنِي مِنْ خَيْبَتِي، لَا جَنَاحَ، وَلَا شِرَاعَ، وَلَا قَدَمَ تَسُوْقُهَا قَافِلَةٌ، أَوْ طَرِيْقَ تَتْبَعُهَا مَدِيْنَةٌ، وَلَا مِصْبَاحَ، وَلَا مِفْتَاحَ، وَلَا لُغَةَ أَعْرِفُهَا؛ تُلْقِي عَلَيَّ التَّحِيَّةَ؛ فَأُرَحِّبُ بِهَا بِقَصِيْدَةٍ، وَلَا فِكْرَةَ تَنُوْءُ بِي؛ فَأُجْهِضهَا، أو تُنْجِبنِي، وَلَا اِمْرَأَةَ تَزُوْرُنِي؛ فَأَجْذِبهَا، أَوْ تَجْذِبنِي، وَلَا سَبِيْلَ لِلْبُكَاءِ أَوِ الصَّهِيْلِ، لَا شَيءَ، لَا شَيءَ، غَيْرَ طَيْفِكِ وَسَجَائِرِي وَقَهْوَتِي الْبَارِدَة وَمِذْيَاعِي وَجَرِيْدَةٍ قَدِيْمَةٍ!.

وَشْمُ الصَّحْرَاءِ عَلِى سِحْنَتِي السَّمْراءَ تَرْجَمُوْهُ لِلْعِبْرِيَّةِ! مَا هَمَّنِي! مَا هَمَّنِي! إِنْ رَطَنْتُمْ وَتَسَطَّحْتُمْ وَتَبَطَّحْتُمْ وَتَوَرَّطْتُمْ فِي التَّبَعِيَّةِ أَكْثَر، ثُمَّ تَكَالَبْتُمْ عَلَى الْبَرْدَعَةِ! لِي قِلْبِي، وَمَا تَبَقَّى لَكُمْ، وَلِي اِمْرَأةٌ وَاحِدَةٌ؛ هِي الْوَطَنُ، وَأَنَا –الْيَوْمَ- بِلَا وَطَنٍ، أَوْ بِوَطَنٍ أَوْدَعَنِي الْكَفَنَ وَاسْتَوْدَعْتُهُ الْقَدَرَ!.

أُعِيْدُ الْأَشْيَاءَ –عَلَى قِلَّتِهَا- إِلَى مَوَاضِعِهَا وَالْمَشَاعِرَ إِلَى تَوَازُنِهَا، وَأُحَرِّكُ الصَّمْتَ الرَّاكِدَ فِي حَنْجَرَتِي بِنُقْطَةٍ أَخِيْرَةٍ، أَحْسَبُهَا إِلَى الصَّرْخَةِ أَقْرَب، ثُمَّ أَطْوِي الرِّسَالَةَ الْيَتِيْمَةَ، الرِّسَالَة الَّتِي لَا وِجْهَةَ لَهَا، وَأَضَعُ الْقَلَمَ جَانِبًا، وَرَأْسِي عَلَى الْمِخَدَّةِ، ثُمَّ أَعْبَثُ بِمِفْتَاحِ الْمِذْيَاعِ؛ فَيَتَسَلَّلُ إِليَّ صَوْتُكِ –عَبْرَ الْأَثِيْرِ- هَامِسًا: أَنَا فَيْرُوْزُكَ، وَنَجَاتُكَ الصَّغِيْرَة، وَشَادِيَةُ رُوْحكَ؛ إِذْ تَشْدُو بِـ "الْحُبِّ الْحَقِيْقِي".


محمد سلمان البلوي

 

محمد سلمان البلوي غير متصل   رد مع اقتباس