منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - سوالف خيمة أبعاد
عرض مشاركة واحدة
قديم 07-09-2013, 10:45 PM   #5
حسن قرى
( كاتب )

الصورة الرمزية حسن قرى

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 12

حسن قرى غير متواجد حاليا

Post رمضان في مراكش ( المغرب الأقصى )


رمضان في مراكش
الأستاذ: حسن قرى hassanbac@hotmail.fr
________________________________________

هلَّ الصّيف هذه السنة، بِحرِّه المعروف، استقْبلَته المدينة الحمراء( مراكش ) كما تعودت أن تفعل دائما. الاختباء بالبيوت أو المكاتب المكيفة، إلا من اضطرته الظروف ولقمة العيش، أن ينتشر في الأرض طلبا لتحقيق الغرض.
حجَّتِ الأسرة المُرّاكشية إلى مطار" المنارة " لاستقبال العائلة العربية الزائرة لأول مرة، لبلدها الثاني المغرب، صِلةً لِرَحِم العروبة والإسلام الذي جمَع لقرون، بلاد المشرق ببلد المغرب. على مشارف المحيط الأطلسي، ومن أطراف الخليج العربي، حلَّت الطائرة التي كانت تَقِل الزائرين الكرام، وعلى أبواب جبال الأطلس الشامخة التي اختفت من أعلا هاماتها الثلوج البيضاء مع قدوم هذا الصيف الساخن، تم الاستقبال بباحة المطار، بأهازيج "الدقة المراكشية" التي تنشطها فرقة شبابية ترتدي الجلابيب المغربية التقليدية، وتعْتَمر الطرابيش "الطاقية" المراكشية المُزخرفة الألْوان، وتنتَعِل البُلَغ الصفراء الأصيلة. تناغَم الإيقاعُ مع حركاتِ ورقصاتِ جُل الواصلين، والذين انخرطوا بعفوية في جو من المرح والبهجة، وكأنهم ينتقمون من ساعات التَّسَمر الطويلة على مقاعدة الطائرة التي أقلَّتهم من ذلك البلد العربي البعيد.
كان الحليب والتمر في استقبال الجميع، والبشاشة والابتسامة تحف الزوار. لم تكن أسرة أخينا وضيفنا أبا حامد، أقل دهشة وغبطة من الزوار الأجانب. وعلى متن السيارات وعبر شوارع وأزقة المدينة الساخنة، انتقلت الأسرتان إلى بيت "بّا كَبُّور" بِـ "درب الْمْشاوْري" بالمدينة القديمة، مدينة "يوسف بن تاشفين"، حيث وجدوا في انتظارهم استقبالا آخر لا يقِل حَفاوَة عما حَضَوا به عند المطار، لكن هذه المرة كان من تنشيط فتيات وفتيان الحي وبشكل عفوي.
حلَّ المساء، فكانت الفرحة فرحتين، وصول الضيوف الكرام من الشرق العربي، ووصول الشهر العربي الكريم "رمضان". تناهى إلى مسامع المجتمعين صوت مزمار، فتساءل "سعْد":"- هذا الصوت، ماذا يعني؟" أخبره "سعيد"، الذي هو في مثل سنه تماما:"- هذا نسميه عندنا "النَّفَّار" وهو يعلن للناس دخول شهر رمضان." وأمسك بيد "سعد" وهو يقول: "- تعال، نتفرَّج ونُشارك بقية الأطفال في الحي فرحة قُدوم الشهر الكريم." تبعهما بقية أفراد العائلتين لباب الدار حتى يتسنى للجميع مشاهدة مراسيم الاحتفال على الطبيعة. كان الأطفال، ذكورا وإناثا يسيرون بين الازقة الضيقة وهم يرددون أناشيد شعبية بالمناسبة:

"بابا رمضان رمضاني، عليه نبيع سروالي.."
"يحيا بابا رمضان، يسقط الكيافا.."
نال مسجد الحي نصيبه من العناية والاهتمام من الكبار وبعض الصغار، أخرجوا حُصُره ومحتوياته، وبدأوا حملة تنظيف وتزيين لمرافقه، ونشر البخور بين أرجائه، استعدادا لإحياء أول صلاة تراويح لهذه الليلة. تطوعت بعض العائلات، لتهييئ أطباق من الكسكس الشهي للمصلين.
قالت "أم حامد" موجهة سؤالها "لأم سعيد": "- كان الله في عون النساء، فستزداد الأعباء عليهن في هذا الشهر الكريم، فكيف تتغلبن عليها؟"
أجابت "أم سعيد":"- نحن النساء نشعر بالسعادة في هذا الشهر الكريم، رغم المتاعب الكثيرة، فنحن نستيقظ قبيل الفجر بساعتين، لتحضير وجبة السحور، التي تكون عادة –عند جل الأسر المراكشية- عبارة عن:- شاي بالنعناع مع خبز"مطْلوع" وزيت زيتون أو زبدة...
أو:- قمح مطبوخ بحليب "هربر" مع زبدة وعسل حر ..
أو:- حليب وجبن وخبز..."
قال "أبو حامد" وهو يسأل "باكبور" "- وكيف يكون أداء صلاة الصبح؟"
أجاب "باكبور" وهو يتفاعل مع أهازيج الأطفال المارين أمامهم:"-بعد تناول وجبة السحور، يؤدي المصلون صلاة الفجر بالبيوت قبل الخروج إلى المساجد، لأداء صلاة الصبح وقراءة حزب الصباح من القرآن الكريم.."
على مائدة العشاء، استمر السمر حول صينية الشاي، وأنواع الحلوى المغربية المشكلة من اللوز، لم يكف الضيوف عن السؤال عن كل مظاهر الحياة المراكشية برمضان، والتي لا تختلف كثيرا عن مظاهرها في بقية المدن المغربية.
كان" باكبور" كريما في كلامه بقدر كرمه في استقباله لضيوفه، استطرد قائلا:
مع مطلع أول خيوط الشمس، ينتشر الناس من أجل الرزق، العمال إلى مصانعهم ومحترفاتهم، والموظفون إلى مكاتبهم وأعمالهم، حتى قبيل العصر بقليل، حيث يؤدي الجميع الصلاة ويقرؤون الحزب الثاني اليومي، قبل التَّبضُّع من الأسواق العامرة، ما تحتاجه كل عائلة من أصناف الأكل والمشروبات وغيرها، وقبل الإفطار بقليل يكون الكل بالمساجد والجوامع من الرجال والاطفال، بانتظار آذان المغرب، لكسر الصيام بحبات من التمر وقليل من الحليب البارد بالمسجد، ثم العودة للبيوت لاتمام عملية الإفطار، التي غالبا ما تكون على شكل:
- شوربة "حريرة" ، تمر، "شباكية" نوع من الحلوى بالعسل..
- قهوة، حليب، أو شاي، "سليلو" طحين محمر بلوز وعسل ومواد أخرى..
- أنواع من الفطائر الرمضانية المنوعة...
ثم الذهاب إلى المساجد لأداء صلاة العشاء والتراويح. وبعد العودة، تناول وجبة العشاء، والسمر لبعض الوقت، ثم الخلود إلى النوم المبكر.
أما ليلة المنتصف من رمضان، وليلة 27 منه التي هي ليلة القدر، يتم إيقاظ الأطفال أقل من 15 سنة، للسحور استعدادا لأول صيام لهم، ثم أخذ الذكور إلى المساجد، وإلباس الإناث لباس العرائس، والخروج بهم للفسحة وشراء الهدايا، ثم الإفطار على الحليب والتمر، بحضور الجيران كبارا وصغارا، الصائم الصبي يفطر من فم الخاتم، أي يوضع خاتم بين الإناء وفم الصبي، حيث يتناول الحليب عبر الخاتم. يرفل الذكور في لباس تقليدي مكون من : "جابدور" سروال وطربوش مغربي أحمر، أو جلباب وطربوش وبلغة، أما الإناث فيلبسن القفطان المغربي الأصيل مع بعض الحلي.
هكذا يكون لرمضان نكهة خاصة في مراكش، يستمتع به سكانها وزوارها...


في مراكش:09/07/2013

 

حسن قرى غير متصل   رد مع اقتباس