منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - [ نحن والاختبارات ! ] ملهيات أساسية.. ومذاكرة جانبية.
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-06-2009, 06:05 AM   #1
راكان عارف
( كاتب وإعلامي )

Post [ نحن والاختبارات ! ] ملهيات أساسية.. ومذاكرة جانبية.


(أفعلةٌ) (أفْعل) ثم (فعلة) **** ثمّة (أفعالٌ) جموع قلة

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

أقول هذا البيت المرجوز وأردده في سياق مذاكرتي الإرغامية لمادة الصرف -كفانا الشر-، بعد أسبوع سابق حافل بالاختبارات التي تجلب كل شعور مقرف في الدنيا.. وأيضا كل شعور جميل في الدنيا.. وأيضا كل شعور مخلوط بين هذا وذاك.

تقولون: يخرب بيت عدوك، احترم مشاعرنا الرقيقة أو اللي عاملين فيها رقيقة، وأين الشعور الجميل في الاختبارات يا رجل؟!
قلت: سأخبركم يابني يعرب؛ عندما تصل إلى تلك اللحظة الحاسمة.. حيث تلقي المذكرة أمام القاعة حين حلول وقت الامتحان ثم تدخل.. وإلى أن توضع الأسئلة أمامك.. هذه لحظات جميلة، وأيضا عندما تخرج من الاختبار وأنت تعلم أنك قد قمت بكنس هذه المادة إلى سلّة الماضي.. هذا شعور جميل أيضا.

من قديم المواقف في الاختبارات هو الرغبة في أن تقوم بكل شيء في الدنيا إلا مذاكرة المذكرة التي بين يديك: تتأمل طريقة طلاء الجدار أمامك، تكتشف أن هناك ثغرة مخيفة في السقف لم تنتبه إليها سابقا، تمسك غلط وتتصفح كتابا علا عليه الغبار لسنوات طويلة فتقرأه كاملا وتكتشف أنك معجب بأفكاره وأفكار أي بني آدم أخرج إلى الدنيا شخبطة يبعدك بها عن مذكرات الاختبارات، تذهب إلى شقة الجيران وتفوز على الشباب في الدوري الياباني وتتركهم وهم أشبه ما يكونوا بجهاز المدفأة من شعور الغيظ والقهر، تتذكر أن هناك علبة ماء فارغة في سيارتك الواقفة بعيدا جدا عن زحمة وقرف مواقف سيارات المجمع السكني فتذهب لتلقيها عنها لتبقى نظيفة، ثم بما أنك وصلت إليها تركبها وتذهب إلى هايبر بنده.. وجيان.. وجرير.. والعبيكان.. والرشد.. وبينات.. ومقاهي القهوة.. إلخ، لا يهم.. فالمهم أن تهرب عن تلك المذكرة المرعبة إلى الدرجة التي تلفت نظرك وتشد فكرك وبصرك بعض الأمور لم تكن تحفل بها في السابق.. حتى هندي بقالتنا تبحلق في وجهه فتشدك بعض التفاصيل التي لم تلمحها في السابق كتلك الشامة.. أو ذلك الجرح في رقبته.

وربما -فجأة- تجد نفسك تلعب كرة القدم مع الأصدقاء وتنشب قدام مرمى الخصم كأنك حارسهم إلى أن تأتيك الكرة جاهزة ومعلبة كتمريرة من لاعب من ذات فريقك قد قطع نفسه من التعدية والهرولة واللعب والمهارة.. فتسجل الهدف ويحييك الأصحاب ويشطفون من صنعها لك.

فإذا عدت إلى الشقة وجلست في الغرفة تمسك المذكرة قليلا ثم تلتفت إلى جهاز المحمول وقد علا عليه الغبار هو الآخر.. ثم تلتفت إلى الكيبل الموصول بجهاز الدي إس إل فتقرر أن تدخل النت بعد فراق وغياب بسبب الملل من عالم النت بشكل عام؛ لأن هذه الأمور تصبح أحيانا كلعب الأطفال إذ يستمتعون بها قليلا ثم يملونها.

وإن لم يكن لك للنت رغبة، يُبنى على ذلك عودة فورية إلى المذكرة؛ فيتنزل عليك فجأة مرض الاختبارات الخطير.. والطريق السري والسريع للسقوط فيها: [ إطلاق العنان للأفكار ]، هذا الأمر وإن خَلَق في المجالس أحاديثَ عن طريف ما يتعلق به من الحكايا والقصص؛ إلا أنه لدى البعض [ وسوسة ] ومصيبة يعلمها من يستسلم لها في يومه وليلته حتى يجد نفسه أمام قاعة الاختبار بلا تحصيل ولا اجتهاد في المذاكرة بحجة أنه يسرح بأفكاره كثيرا.. والنتيجة ورقة يغلب فيها البياض، أو ربما يغلب السواد مع [ قلة السنع ! ] كما نقول في لهجتنا، إذ يكون ذلك السواد تأليفُ ماليس له علاقة بالأسئلة.. ولا الأجوبة.. وربما ليس له علاقة بالمنهج والجامعة كلها.

أنا ممن تأخذه الأفكار أحيانا بعيدا أثناء المذاكرة، أسرح معها فإذا أذن الفجر معلنا لصلاة الصبح، أنتبه إلى قرب الاختبار فأتجرع العلقم.. وأشياء أخرى، إلا أن الحظ يحالفني كثيرا -وبفضل الله تعالى طبعا- إذ غالبا ما يحصل معي -ومع بعض من أعرفهم- أن الصفحات التي ألمحها بشيء من التركيز في الوقت الذي يلي صلاة الفجر إلى وقت الامتحان تأتي منها أغلب الأسئلة.. إن لم تكن كلها.

من الأمور التي أفكر بها وأسأل بها كل من أقابله من الزملاء الذين جاوزوا المرحلة الجامعية وصاروا موظفين.. وتزوجوا واستقروا ورزقوا بالبنين والبنات.. يعني: ينتظرون الموت فقط، كنت أسألهم: هل تذكرون مصطلحا يسمّى مذاكرة الدروس؟!

ولأن بعضهم يتصنع الحقارة فإنه يرفع رأسه عاليا ويغمز بعينه كالمفكر ويردد: "المذاكرة.. المذاكرة.. كأني أعرف شي مثل كذا.. يا ربي وين.. يا ربي وين.. أوه.. صح.. هذا أمر يخصكم معاشر الطلاب.. صح؟!"، ثم يُتبِع هذه السخرية بضحكة استهزائية كافية لجعلي أغتاظ وأتوقف عن سؤاله إلى الأبد عن هذا الأمر.

ومن سيئات النت وقت الاختبارات؛ تخزين أكبر قدر ممكن من الأفكار والهموم في وقت قصير، فهي تؤز الفكر على الانفكاك من قيد ورقات المنهج والانطلاق في رحاب ما أثار لواعج النفس ومواطن التفكر، والإنسان في مثل هذه الأوقات المصيرية مطالب بأن يبلع العافية ويذاكر وإلا سيجد أن الاختبار سيجعله يعرف بأن الله حق.. ويبلّعه العافية تبليعا إرغاميا من الدرجات السيئة أو ما وراءها من الأمور المخيفة التي يجب ألا نفكر بها معاشر الطلاب لأننا سنصاب بالهلع.

من عجائب الاختبارات التي أجدها بين الشباب هي تلك المذاكرة الجماعية التي لم أقتنع بها يوما، إذ أجزم أني لو كنت معهم لذاكرت أول سطر والباقي أقضيه في الأخذ والعطاء من الأحاديث الجانبية(!)، وهي في الحقيقة أساسية.. والمذاكرة تصبح هي الجانبية في تلك التجمعات.. .

وبما أن النت شبيه بتلك التجمعات، فإنني وجدتني هنا أجعل الحديث أساسيا، والمذاكرة أمرا جانبيا، ونسيت الصرف وأبو الصرف..!

بالتوفيق للجميع ؛

أبو عبدالله
راكان عارف

أيوه.. وين وصلنا:

و(فَعْل) اسمًا و (فعيلًا) و(فَعَل) **** غيْر معلّ العين (فعلان) شمَل

 

التوقيع

يا صبر أيّوب !


التعديل الأخير تم بواسطة راكان عارف ; 02-06-2009 الساعة 06:08 AM.

راكان عارف غير متصل   رد مع اقتباس