منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - الشعراء المسترجلون
عرض مشاركة واحدة
قديم 07-10-2007, 08:11 PM   #1
محمد مهاوش الظفيري
( قلم نابض )

افتراضي الشعراء المسترجلون


اقترن الجمال بالمرأة , وهي أجمل من الجمال , بل الجمال لا يستحقّ إلا أن يكون لامرأة , وليس للجمال أي قيمة في حد ذاته ما لم يقترن بامرأة , . إنها المحرك الأساس لكل موهبة , فهي ملهمة الشعراء , وقاهرة الجبابرة , وفاتنة العشاق .
الكتابة عن المرأة أجمل من البحث عن الحقيقة . والطُرُق المليئة بالأشواك المؤدية إلى مخدع جميلة من الجميلات , أجمل من الدنانير المرصعة بالجواهر الملقاة هنا وهناك وهنالك , لأن في حالة الظفر بالأُولى كسب للعالم وانتصار للذات , وفي حالة الحصول على الثانية خسارة للنفس وهزيمة للذات وسحق للإرادة , فالمال يفنى والذات تبقى بعد صاحبها .
الكتابة عن المرأة لا بد أن تمر بمأساة وتعب وتراجيديا . إن هذا المخلوق الجميل الناعم , يجب أن نقاسي الأمرّين من أجل الكتابة له , أو عنه .
بعيدًا عن الشعر وعالم الشعر ودنيا الشعراء المليئة بكل جميل وممتع . لا أدري كيف يفكر بعض الشعراء ؟؟ ولا أدري ماذا يريدون ؟؟ . لقد شوّهوا الشعر , وجعلونا نكره سماع القصائد , ولا نفرح حينما نرى شاعرًا , وهو في الحقيقة ( شعرورٌ قميءٌ ) لم يصل بعد درجة ( الشويعر ) , يطل علينا بين الفينة والأُخرى ليُلقي في مسامعنا كل ما لا يمت إلى الشعر بصلة , إلا الوزن والقافية .
بعيدًا عن الأسلوب الوصفي الحسي للأشياء , وبعيدًا عن تسارع الكثير من الشعراء إلى إدمان الفخر بقبائلهم , ودورانهم الأجوف في حلقات مفرغة , سأوجه حديثي للشعراء الغزليين .
الشعر في المرأة من أجمل أنواع الشعر , فمن ذا الذي لم تحركه امرأة , وأجمل القصائد تلك التي كُتبت لنساء لا يعرفهن أحد , وأعظم الجبابرة ركعوا لحب امرأة . أما هؤلاء الشعراء المسترجلون , وأقول المسترجلون , لأنهم لم يتعاملوا مع الأنثى برجولة , لأن الرجولة تقوم على احترام الذات , وتقدير المقابل , وإنزال الناس منازلهم , وإعطائهم القدر الذي يستحقونه . غير أن الشعراء المسترجلين تعاملوا مع هجران المحبوبة بالشتم والسباب , وأنهم أبناء ( فلان ) أو ( فلنتان ) , وأن قبائلهم التي تصول وتجول , وان كل النساء لا يحركن شعرة من رؤوسهم .
يا معديَ المرقاب خلّه لمسشتاق
.......... حوّل وخلّ معذّب القلب يرقى
يا ليت ربي ما خلق حبّ وفراق
.......... وإلا خلق حبٍّ على غير فرقا
إن تعامل السديري ـــ رحمه الله ـــ مع هذه الحالة التأزمية التي واجهها من سطوة الحب والهجران , خلقت لديه فضاءً أرحب للتعاطي مع الحب بشكل فريد , خالٍ من أي عُقد نفسية مزمنة , كما هو الحال عند الشعراء المسترجلين .
لقد قتل لدلنا هؤلاء المسترجلون متعة الإحساس بالحب , أو التلذذ بعبق الأنثى كما في البيتين السابقين للسديري . ورحم الله أبا العلاء المعري الذي جعلنا نتلذذ باستنشاق رائحة العزلة , والإستغراق في الهم الوجودي الإنساني . وكم كان أبو العتاهية ممتعًا , عندما جعلنا نستمتع بمضاجعة الموت , ومقاساة الشقاء , واستطعام لذة الخوف من ضياع الدنيا من بين أيدينا . لقد قَلَب كلا الرجلين لنا الأشياء , وصرنا نستمتع بما لا يُستمتع به. أما الشعراء المسترجلون , سحقوا الحب , وشوّهوا ملامحه الجميلة وهو الجميل أصلا , والممتع من دون أي مقدمات .
الشعراء المسترجلون جعلونا نكره الجب , ولا نستلذ لسماع صوت العاطفة , بسبب ما يصبونه في مسامعنا من غثاء ورغاء وثغاء باسم الشعر تحت مسمى الغزل . ففتاة أرقّ من النسيم , وأنعم من النعومة , لا تستحقّ كل هذا الإسترجال العنتري الأحمق منك أيها الشاعر البليد حسيًّا , لا تستحقّ منك كل هذا الشتم والسباب , وكأنك في ميدان معركة ضروس حامية الوطيس , مكفهرّة الرؤى , دامية المشهد , عظيمة القتلى , كثيرة الأسرى , " شابتْ نواصي الليالي وهي لم تَشِبِ " كما يقول أحد الشعراء , ولم يبقَ لك إلا لسانك لتشتم به من تريد ومن لا تريد , بعد أن تقطعت يديك , وتهشمت قدميك .
قال أحد الملوك : " كنت أخشى إذا كبرت , ألا تحبني النساء , فإذا بي أحبهن " . وقال الفيلسوف الألماني نيتشه الذي أثّر في كتاباته على هتلر أيّما تأثير : " المرأة لغز , مفتاحه كلمة واحدة , هي الحب " . وقال أحد المفكرين : " الحب مبارزة , تخرج منه المرأة منتصرة , إذا أرادت " . أما لدى هؤلاء الشعراء فكل الأمور مقلوبة .وها هو التاريخ يحدثنا عن الخليفة العباسي المعتصم , الذي حرّك جيوش الدولة العباسية من أجل دموع امرأة وكان الملك الفرنسي الشهير لويس الرابع عشر , والملقب بــ ( الملك الشمس ) , المشهور بالبطش والدكتاتورية , وكانت له صولا ت وجولات في الحروب , وذا نزعة استعمارية , ركع لحب امرأة . . وإدوارد الثمن ملك انجلترا , تنازل عن عرش بريطانيا العظمى عندما أصرّ على الزواج من مطلّقة أمريكية . وعندما حاصر الحلفاء برلين مقرّ حكم هتلر , وبعد أن فقد كل شيء , لم بجد له ملجأ إلا الزواج من عشيقته إيفا براون , التي انتحرت معه في اليوم التالي , وقبل أن يقع في أيدي رجال الجيش الأحمر السوفياتي . وشيوخ القبائل وحكام الدول في المنطقة يعتزون بالنساء , وينتخون بهنّ , ومنهم من اقترن اسم عائلته باسم امرأة , وذلك إجلالا لقدرهن , وإكرامًا لمكانتهن , وتعظيمًا لدورهن في المجتمع . بينما هؤلاء الحمقى يشتمون ويسبون النساء , وكأنهم في مضمار مصارعة للثيران , ويتعاملون مع المرأة , كأنها من سقط المتاع , ولا أدري حقيقة , من هم سقط المتاع , هذه اللحظة !!! .
وبعيدًا عن الغزل , وما به من شطحات وهفوات , قد يكون للدين رأي في الكثير مما يقال من شعر وغزل في المرأة ..... أقول , بعيدًا عن هذا الجو الديني , ولنتعامل مع المرأة , بعيدًا عن أي حواشٍ جانبية , ألا يخجل هؤلاء الشعراء المسترجلون من حديث الرسول الكريم ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ : " استوصوا بالنساء خيرًا " , فحبذا من هؤلاء ( المستشعرون ) إذا لم يكن لديهم القدرة على قول أي كلمة حسنة تحترم إنسانية الإنسان , حبذا , وليت أن يكرمونا بسكوتهم عن قول مثل هذا الغثاء الأحمق الممجوج ...... ورحم الله القائل : لا يكرمهنّ إلا كريم , ولا يهينهنّ إلا لئيم .

 

محمد مهاوش الظفيري غير متصل   رد مع اقتباس