منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - اجذَأَرَّ
الموضوع: اجذَأَرَّ
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-12-2016, 11:42 PM   #1
علي آل علي
( كاتب )

الصورة الرمزية علي آل علي

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 22

علي آل علي واحد الرائعةعلي آل علي واحد الرائعةعلي آل علي واحد الرائعةعلي آل علي واحد الرائعةعلي آل علي واحد الرائعةعلي آل علي واحد الرائعةعلي آل علي واحد الرائعةعلي آل علي واحد الرائعة

افتراضي اجذَأَرَّ







ما كنتُ أؤمن بأنَّ قريتي تستدعيني بعد هذا الخصام الطويل بيني وبينها، إنها سنوات كمسارات للسفر رحلت خلالها بعيداً عنها، أتجرع الحسرات بعداً، لأنها لا تمتلك مقومات المدن الحديثة التي سمعتُ عنها الكثير.
تمنيت التعايش مع تلك الحياة الفارهة فيها ولو لحينٍ من الدهر وإن كانَ قليلاً،
أجل ..!
فما فائدة البقاء في بقعة من الأرض قاصرة، وبإمكاني الرحيل إلى بقعة أخرى عامرة بالخيرات التي لا تحصى، ومع الخيرات ألوانٌ مثيرة لم أشاهدها من قبل، برزت أمامي في الأخيلة إثارةً لي، تنادي أن تعال إلى حيث أنا، لبيتُ هذا رغبةً بادئ الأمر، ثمَّ مصيراً في آخره الذي تم.
كم هي المدنُ بعيدة، وإن وصلتُ لها ستظل بُعْداً يصعبُ الوصول إليه، ويصعبُ عليَّ معرفة جغرافيا تلك الأرض التي أطأُ بقدمي أديمها للوهلة الأولى، إنَّ كل مدينة تأتيني بأخبار مدينة أخرى؛ حتى أُسافرَ إليها لأقرأها، وما أن أقرأها حتى تبرز لي من الأقوال ما يأسر الفؤاد، هي دعاية لسبك أغوار مدينة أخرى، ألقاني مسافراً حاملاً في جعبتي الفضول، ولا أنتهي من أخبار المدن وأسرارها حتى أجدني أسيراً بلا حرّية ما؛ أسكن إليها لأرتاح فيها من أثر السفر، ومن كآبة المجهول الذي ما عُرفَ له من قرار بعد.
السفر يأخذني إلى مدينة، ومن مدينة إلى مدينة أخرى، أراوغ الذكريات الأولى عن القرية مكراً، كي لا تثنيني عن المضي قدماً، وأستدعي الآمال الزائفة وإن كانت تخدعني! لأن غايتي إشباع رؤيتي بما لم أره من قبل، ولكي أعرف مالا أعرفه منذ معرفتي بأني جاهل! ومنذ أن عرفت بأنَّ المعرفة لا حدود لها كأفق متسع يصعب الإلمام ببداياته ونهاياته، اتضح لي بأنَّ المدن تُبدد بعضها بعضا، بالأفكار والمعتقدات المتشعبة الرؤى، فكرٌ يمقت فكراً آخر، وفكرٌ يتماهى خداعاً ومكراً، لا تتعايش الأفكار مهما بلغ منها ما بلغ، تتناحر بلا هوادة تذكر، تعطل بذلك نتائجها التي تسعى حثيثاً لإنتاجها، ولا يزالُ أصحابها في منتهى الحماقة ما دامت فيهم نتانة التعصب والتكهن بمستقبل مليء بقطران، تلتصق فيه الأقدام تثاقلاً، فيصعب التقدم بخطوة واحدة، وإن تمَّ ذلك فمن بعد كدح ومكابدة.
غريب أنت أيها العمر، أبقيت مني بعضاً، تارةً أتهالك، وتارة أخرى أتماسك، وما بين التارتين أمل رضيع يتوق للحليب، إنه أنا... نعم إنه أنا !! أفهمني جيداً ... ولا أنساني أبداً !!
القريةُ تناديني، والمدن ترفسني بعيداً عنها، إما أن أكون مديناً لها بفكر ماكر، أو أن أدين لها بالنكران، لا رفاهية بدون خسران، ولا نجاة بدون شقاء، هي الحكمة الأخيرة التي حملتني براحتيها كي تنقلني إلى الجذر الأول، ولادتي الأولى، قريتي التي تأنُّ شوقاً لي.

 

علي آل علي غير متصل   رد مع اقتباس