أتذكر في عام 1416-1996 كنت أدرس في جامعة الملك عبدالعزيز تخصص اللغة العربية ، ومما درسته في ذلك العام مادة صناعة الكتابة عند الدكتور : حسن النعمي . وقتها طلب منا كتابة مقال أو قصة من بنات أفكارنا في موعد حدده سلفًا ، فقدم أغلب زملائنا مقالات من صحف نسبوها لأنفسهم ، وكتبت قصة عن حادث وفاة والد صديق لي منذ سنين محفوظة عندي ، وقمت بإجراء تعديلات حسب ماتعلمته في مادة صناعة الكتابة ، وماشاهدته من أعمال درامية بطريقة ( الفلاشباك ) وبعد إعطائها للدكتور ، كنت أنتظر نقده لماكتبت حتى أقوم بالتعلم والتعديل ، عندها جاء وقال : هناك من الطلاب من لم يحضر شيء ، وهناك من كتب من غير تأليفه فليراجعوني في المكتب . لم أعبأ لما قيل لأني لست منهم ،وفي اليوم الآخر أعاد التنبيه وكرر ووزع بعض الكتابات لأصحابها وبعضهم لم يعطهم ومنهم أنا ، وكان صديقي يقول لي اذهب له فربما يعتقد أنك نقلت ولم تكتب من عندياتك ، فأبيت لأنني أعرف نفسي وبدأ يعتريني شيء من القلق والتذمر ، وجاء اليوم الذي يليه ، وأعطى بقية الطلاب أوراقهم ماعدا عدد قليل جدًا وأنا منهم ، فأصر علي صديقي بالذهاب لمكتبه وتبيان الأمر له ، فذهبت وطرقت الباب فأذن لي ، ودخلت وبعد السلام قلت له ماحدث فطلب متي الجلوس ، وأخرج الأوراق واستخرج ورقتي وهو ينظر إلي مبتسمًا قائلًا : هذه ليست كتابتك ، وربما أضفت لها بعض التمويه حتى أعتقد ذلك ، هنا أحسست بالدماء تذهب كلها لوجهي ، وقلت له : والله يادكتور إنها كتابتي ولو لم تكن كذلك فلن أحضر لك شيئًا أصدقك القول .
فنظر إليّ بتعجب وقال : "إذا كانت هذه كتابتك وأنت في هذه المرحلة فهو شيء مبدع وجميل "، وبدأ وجهه يتهلل ، ثم قال : " اسمع ! مكتبي مفتوح لك دائمًا لأي استشارة تحتاجها حول كتاباتك ، وأي كتب ومراجع تريد معرفتها فلا تتردد بزيارتي " ثم لفت انتباهه لقبي ودار حديث حول ذلك ، ثم رجعنا للموضوع بعد أن شعرت بأن مايقوله حول كتابتي للقصة جعلني أشعر بالراحة والفخر ، ثم كتب لي على رأس القصة +b أي جيد جدًا مرتفع ، وهذه لوحدها شهادة من دكتور متخصص في الرواية والنقد الأدبي ليس على نطاق المملكة العربية السعودية ، بل الشرق الأوسط .
مافعله آنذاك من تأثير علي بكلام جميل ، لايزال جميلًا يطوق عنقي لم ولن أنساه .
وياليت بعض زملاء المهنة الذي يقاربوننا في العمر ، إذا لم يكونوا أصغر منا عمرًا يعرفون أثر التحفيز الصادق على الانتاجية .