منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - عام على الجرح ..!!
عرض مشاركة واحدة
قديم 10-31-2014, 04:10 PM   #28
محمد سلمان البلوي
( كاتب )

افتراضي


رغد، يا رفيقتي،

ما الذي يُشفي جراحَ القلبِ والرُّوحِ؟ وهل يُقاسُ عمرها بالزَّمنِ؟ وهل كلُّها في مرتبةٍ واحدةٍ؟ وهل جرحُ الغريبِ كجرحِ الحبيبِ.. وجرحُ البعيدِ كجرحِ القريبِ؟ وهل تتساوى القلوبُ والأرواحُ في تحمُّلها للجراحِ؟ وما دامَ الحديثُ -هنا- عن جرحِ الحبيبِ؛ فأنا ممن يميلونَ إلى اعتبارِ أنَّ كلَّ علاقةِ حبٍّ هي حالةٌ خاصةٌ ومُتفرَّدةٌ ومُستقلةٌ؛ لا تتطابقُ مهما تقاربتْ أو تقاطعتْ أو تشابهتْ مع غيرها من الحالاتِ ولا يمكنُ تعميمها؛ فلكلِّ علاقةٍ ظروفها وحيثياتها ومُلابساتها الخاصة والشَّخصية التي تحكمها وتحدِّدُ طبيعتها وماهيتها وأطوارها، كما تحدِّدُ درجة نموها ومراحله واتجاهاتها وتشعباتها وتداخلاتها وعمرها ومصيرها. وهذا يعني أنْ ليس بمقدورنا إصدار وصفةٍ علاجيَّةٍ أو إرشاديَّةٍ أو وقائيةٍ؛ يُمكن تعميمها على جميعِ حالاتِ الحبِّ، وصرفها لكلِّ مُحِبٍّ؛ إلَّا في إطارِ الخُطوطِ العموميِّةِ والرئيسةِ المُشتركةِ؛ أمَّا التَّفاصيلُ والدَّقائقُ والخبايا والأسرارُ؛ فإنَّها -حتماً- تختلفُ من علاقةٍ إلى علاقةٍ، ومن حالةٍ إلى حالةٍ، ومن مُحِبٍّ إلى مُحِبٍّ؛ بل ومن طرفٍ إلى طرفٍ في العلاقةِ الواحدةِ.

"عامٌ على الجرحِ"، وما زالَ رغيفُ المحبَّةِ ساخناً، والْجرحُ أخضرَ، وإنْ غفا الأملُ على كتفِ الزَّمنِ، والتحفَ القلبُ الألمَ، ولاذَ بالصَّمتِ، وأسدلَ على أنينهِ ستائرَ التَّصبُّرِ، ثمَّ انشغلَ بالحياةِ أو تشاغلَ، لَمْ ينسَ، ولا طرقَ للنِّسيانِ باباً، إلَّا أنَّه سُؤالُ الحبيبِ الـ تسرَّبَ -مع نسماتِ الشَّوقِ والتَّوق- من ثقبِ الغيابِ؛ في صبيحةِ يومِ عيدٍ؛ نكأَ الجرحَ أو حرَّكَ النَّصلَ الغافي فيه: "أَخْبِرِيْنِي عَنْ صَبَاحَاتِكِ الْخَالِيَةِ مِنِّي، وَعَنْ لَحَظَاتِكِ الْمُتْخَمَةِ بِكُلِّ مَا لَا أَعْرِفُ؟". كانَ السُّؤالُ بمثابةِ الثِّقابِ الـ أشعلَ فتيلَ الكتابةِ الخاملةِ وقدحَ زنادَ الوجدِ الغافي في حضنِ الْجُرحِ، فسالَ الحبرُ، وتدفَّقتِ المشاعرُ بالحنين وبالحبِّ، ثمَّ كانَ هذا النَّصُّ؛ الـ كُتِبَ على دفقاتٍ ودفعاتٍ ضبطتْ نبضها وتوقيتها تموُّجاتُ الوجدِ وذبذباتُ القلبِ.

"عامٌ على الجرحِ"، ولَمْ تذكرْ لنا الكاتبةُ ماهيةَ هذا الجرح، ولا كيف حدثَ، ولا لماذا، وإنَّما جعلتْ من توقيته بدايةً لكلِّ ما جاءَ في نصِّها ومادةً له، ثمَّ هي لَمْ تغرقْ في الرَّغبةِ بالانتقامِ لقلبها، ولا بالسَّعي للاقتصاصِ لجرحها، كما أنَّها لم تُسرفِ في الحديثِ بسوداويَّةٍ عن معاناتها؛ جرَّاءَ ما أصابها وما لحقَ بها، وكذا لم تفقدْ ثقتها بهذا الحبِّ ولا حاولتْ تسخيفه ولا تشويهه بغيةَ الخلاصِ منه وتجاوزه وطيِّ صفحته؛ بل كانتْ على يقينٍ أنَّ ما جمعها بحبيبها هو حبٌّ حقيقي؛ أقوى من النِّسيانِ، وأصلبُ من أنْ يكسره الفقدِ أو الغيابِ، وإنْ كانَ هذا اليقين يهتزُّ في بعضِ الأحايين والأحوال ويضطربُ، ويكادُ أنْ يُسلِّمَ بالنِّهاية ويستسلمَ لليأسِ، ويرفعَ الرَّاية.

لَمْ نعرفِ الجرحَ؛ ولكننَّنا عرفنا ما ترتَّب عليه من غيابٍ وشعور بالغربةِ والوحدةِ والفقدِ، وعرفنا أنْ كلَّ هذا جعلَ الحبيبةَ تترقبُّ وتنتظرُ وتتابعُ الحبيبَ من بعيدٍ، وفي نفسها توقٌ وحنينٌ وحيرةٌ وعتابٌ وانتظارٌ يعقبه انتظارٌ، وعندما كانَ الحزنُ ينالُ منها واليأسُ وتكادُ أنْ تخبو جذوة اللهفة؛ كانتْ تلوذُ بذكرياتهما المُشتركةِ؛ تستمدُّ منها السَّلوى والعزاءَ والعزيمة.

في النَّصِّ كثيرٌ من فنِّيَّاتِ الكتابةِ وتقنياتها، نجدها على طولِ النَّصِّ وعرضة، من أوَّله حتَّى آخره، وفيه قدرةٌ على تسخيرِ فنونِ البلاغةِ وتوظيفها توظيفاً حسناً وموَّفَّقاً؛ ولا يملكُ القارئُ إلَّا أنْ يرى -فيما يقرأُ- صوراً بديعةً تتماوجُ بحيويَّةٍ أمامه، وعباراتٍ تختالُ بلُغتها وحُسنِ اختيار مُفرداتها وسبكها وصياغتها، واستعاراتٍ ومجازاتٍ غايةً في الجمالِ. ولكي تستقيمَ القراءةُ في مسارِهَا التَّصاعدي الصَّحيحِ، ويستكملَ النَّصُّ جمالياته؛ كانَ لا بدَّ له من أنْ يستوفي الضَّروري من علاماتِ الإعرابِ وعلاماتِ التَّرقيمِ، و"ما لا يُدْرَكُ كُلُّهُ، لا يُتْرَكُ جُلُّهُ"، ولذا كانَ عليَّ -في البدءِ- أنْ أحاولَ ضبطَ النَّصَّ -ما أمكنَ- تشكيلاً وترقيماً؛ لأتمكنَّ من تحديدِ اتجاهاتِ القولِ؛ فـ بالقراءةِ السَّليمةِ؛ يتأتَّى الفهمُ السَّليمُ؛ ومن ثمَّ التَّذوُّقُ اللذيذُ، وقد غابَ عن هذه الكتابةِ ما كانَ ضروريَّاً من علاماتِ الإعراب والتَّرقيمِ؛ حتَّى أنَّها الكاتبةُ أغفلتْ همزاتِ القطعِ على امتدادِ النَّصِّ، ولم أجدْ للفاصلةِ فيه موضعاً؛ إلَّا في ثلاثةِ مواضع تقريباً. ربما لأنَّها الكتابةُ بالتّقنيةِ تختلفُ عن التَّقليديَّةِ/بالقلمِ. نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

ختاماً
دًمتِ -يا صديقتي- مُبدعة، ولك تحياتي وتقديري
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

 

محمد سلمان البلوي غير متصل   رد مع اقتباس