منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - فراغ
الموضوع: فراغ
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-27-2014, 02:10 AM   #6
عائِشة محمد
( كاتبة )

افتراضي


-




(3)


من منكم يجيد الحديث؟ ذلك الحديث الطويل المطول دون انقطاع و لا تفكير حتى. لا أقصد الحديث الأبله الأحمق الذي يخترق صدور الآخرين حين أقول بلا تفكير، أنا أعني فحسب الحديث الطويل الذي لا يقطعهُ أيُ تفكير؛ فبطبيعة الحال التفكير يحتاج وقتاً و الحديث الذي أتحدث عنه هو الحديث الذي لا انقطاعات فيه، حديث سلس طويل بلا مرتفعات، من منكم يجيد ذلك؟ من منكم سبق و أن أحصى عدد الكلمات التي يقولها في جملة واحدة مشكلاً بهذا حديثاً طويلاً بجملٍ معدودة؟ أنا فعلت ذلك و لا أحد يصدق أني فعلت ذلك. أتحدث كثيراً بلا إنقطاع و بحديث مسطحٍ بلا ارتفاع، مسطح مخضر، ذو كلمات لا تعد و جمل لا تحصى و من غير أن أكِل أو أمَل الحديث. و بالرغم من ذلك لم يسبق ليّ قط و أن نُعت بالثرثارة!. أنا لست بثرثارة مع كل هذا الحديث الطويل الذي أتحدث به. كذلك لم يفلح أحدٌ على منافستي في الحديث. دائماً أنا في المركز الأول في تلك المنافسات. لا أحد يجرؤ على التفوق علي في هذا، لأنني حقاً لا أجيد شيئاً سوى هذا و لأني لا أجيد شيئاً سوى الحديث المسطح الطويل بلا ارتفاعات، فإني أصب جل جهدي و كامن طاقتي به. أجتهد به و أتفنن في أداءهِ. و لا أخفيكم ذلك، أنا بكماء، نعم أنا بكماء و بالرغم من ذلك لا أتزحزح عن المركز الأول في سباقات الحديث. لا يكمن في الأمر سر مكتوم، كل ما هنالك أنني أتحدث و أتحدث و أتحدث و أتحدثُ بإستمرار و لا أحد يسمعني!. الكل يصاب بالصمم حينما أتحدث، الكل أصمٌ حين أتحدث، باستثناء أعضاء لجنة التحكيم. أيضاً أنا أستغرب مما يحدث، كيف أن هؤلاء فقط دون سواهم يقدرون على سماعي و وحدهم فقط، كذلك هم لا يكذبون في هذا. هم حقاً يسمعون ما أقول و يخبرون الجميع بما أقول و لا أدري كيف يفعلون ذلك. بالرغم من أن صاحبة الصوت الذي يُتحدث به هو أنا و الأبكم من بين الجميع هنا هو أنا في ذات الوقت، و مع هذا لا أستطيع سماعي و لا سماع صوتيّ، حاولت مراراً و تكراراً و لا أستطيع سماع ما أقول و أتحدث به. عاينت نفسيّ، راجعتُ أطباء كثُر و لا علة في سمعي كما يقولون، إلا أني لا أستطيع سماع صوتي. لجنة التحكيم تلك كذلك، عاينوا أنفسهم و لا علة في سمعهم، و يظلُ بإمكانهم سماعي و أظلُ أنا لا أستطيع سماعي. العجيب أن أعضاء لجنة التحكيم يتغيرون في كل سنة مرة، إلا أن كل من في اللجنة يسمعون ما أقول في كل مرة، و في كل مرة الفائز في السباق هي البكماء أنا. إلى هذه اللحظة، حتى الآن أنا لا أفهم أين تكمُن المشكلة، أسال كل من حولي في كل مرة أتحدث فيها، هل بإمكانكم سماع ما أقول؟ هل بإمكانكم سماع صوتي؟ و لا أحد يجيب. كيف سيجيبون وهم لا يسمعون سؤالي في المقام الأول. لا أدري أين تكمن المعجزة المشكلة، لكن أنا موقنة تماماً أن في الأمر شيء عجيب. دعوني أسألكم مجدداً، هل بإمكانكم حقاً الآن سماع صوتي و سماع ما أقول؟


 

التوقيع



أنا تلك السيدة الطفلة،
تلك البلهاء التي تنطق بما لا تريد؛ تلك البلهاء الخرساء عما تريد.






تحاور معي: 7D50F6D8

عائِشة محمد غير متصل   رد مع اقتباس