أحسن الله إليك يا أخانا الأستاذ عبد الله با سودان
ما أراه هنا اجتهاد يحسب لك، ولكن جله خطأ وقد جانب الصواب كثيرًا،
فمن حيث التسميه أو تلقيبه بالمهلهل هذا أمر صائب.
أما البسوس فهي ليست ببكرية بل هي تميميّة، واسمها الهالة أو الهيلة بنت منقذ.
ثم أن بداية شرارة الحرب بين القبيلتين الوائليّتين لم تكن كما أسلفت وذكرت بل كانت بين أخذ ورد وشد وجذب، تضع البسوس الناقة سراب وفصيلها (ناقة لجارها واسمه سعد بن شمس الجرمي القضاعي) عنوة في المرعى دون إذن كليب وقد توعدها بالتحذير والإنذار وما فعلت إلا تذكية لنار الفتنة وإيقادا لشرارة الحرب. رمى كليب الناقة فأصاب ضرعها فشخطت بين دم ولبن حتى ماتت، فقالت شعرًا تستحث به جساس ليركب رأسه ويمارس حماقة غير محمودة العواقب فأقسم أن يقتل جملا فذهب أبوه (مرة بن ذهل) وإخوته يحمون ويحرسون علاّلًا وهو فحل إبل كليب، وما علموا أن جساسا يريد رأس كليب لا فحل إبله.
فقالت الهيلة أو البسوس:
لعمري لو أصبحت في دار منقذٍ لما ضيم سعد وهو جار لأبياتي
ولكنني أصبحت في دار غربةٍ متى يعد فيها الذئب يعد على شاتي
فيا سعد لا تغرر بنفسك وارتحل فإنك في قومٍ عن الجار أمواتِ
ودونك أذوادي فخذها وإنني لراحلة لا تغدروا ببنياتي
قتل جساس كليبا رميًا بالرمح من دبر أن ضربه من ظهره ولم يواجهه من قُبل ولا مبارزة ولا مسايفة، فأوصى المهلهل بعدم الصلح قائلاً للراعي أن ينقلها لمهلهل:
لا تصالح وإن أعطوكَ مالا مع عبيدِ
لا تصالح وإن أهدوك زيناتِ النهودِ
لا تصالح وإن أعطوكَ إبلا مع قعودِ
ثم أن مقتل جساس كان في بداية الحرب لا في نهايتها، ولقد قتل مضاربة هو ومن معه ومن كان في طلبه وعلى رأسهم ابن عم المهلهل، أبو نويرة التغلبي، فطويت صفحة جساس بن مرة، ولكن المهلهل لم يرضَ بذلك فقد أقسم أن يبيد جميع بني بكر عن بكرة أبيهم ولم تمكنه العرب من الوصول لمبتغاه. فقال:
أكثرت قتل بني بكرٍ بربهمُ
حتى بكيت وما لم يبكِ لهم أحدُ
آليتُ ألا أرضى بقتلهمُ
حتى أبهرج بكرا أينما وجدوا
وفي مسألة مقتل المهلهل، أراك أخذت قولا بكريا وحيدا وانفردت به، وهذا منافٍ للمصادر العديدة والروايات الأخرى التغلبية والمختلفة، من حيث أن مقتله كان على يد العبدين عندما وسن وخرف وأرادا أن يتخلصا منه بقتلة طعنًا بالخنجر فأرسل معها قبيل وفاته بيتا من الشعر يحوي على رسالة إلى اليمامة بنت كليب، فقال:
من مبلغ الأقوام أن مهلهلا
لله دركما ودر أبيكما
فعرفت اللغز وأعملت البيت كما يلي:
من مبلغ الأقوام أن مهلهلا
أضحى قتيلا في الفلاة مجندلا
لله دركما ودر أبيكما
لا يبرحِ العبدانِ حتى يقتلا
فورث إمارة تغلب من بعده سبطه صاحب المعلقة الشهير: عمرو بن كلثوم، قاتل عمرو بن هند