منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - أنا هنا يا أمي
الموضوع: أنا هنا يا أمي
عرض مشاركة واحدة
قديم 07-01-2013, 01:18 PM   #1
عبدالرحيم فرغلي
( كاتب )

الصورة الرمزية عبدالرحيم فرغلي

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 4846

عبدالرحيم فرغلي لديها سمعة وراء السمعةعبدالرحيم فرغلي لديها سمعة وراء السمعةعبدالرحيم فرغلي لديها سمعة وراء السمعةعبدالرحيم فرغلي لديها سمعة وراء السمعةعبدالرحيم فرغلي لديها سمعة وراء السمعةعبدالرحيم فرغلي لديها سمعة وراء السمعةعبدالرحيم فرغلي لديها سمعة وراء السمعةعبدالرحيم فرغلي لديها سمعة وراء السمعةعبدالرحيم فرغلي لديها سمعة وراء السمعةعبدالرحيم فرغلي لديها سمعة وراء السمعةعبدالرحيم فرغلي لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي أنا هنا يا أمي


حدثيني يا أمي .. عن بيتنا المجنون بوهج الطين .. عن قِصره وسط بنايات
تهدهد سطحه لكنه شقي يمد عليها حديد مرزابه .. وبابه الموارب جاسوس
يفضح كل أمتعتنا .. عن قمرٍ يتلصص على الجيران ويختبئ خلف
الجبل هناك .. كنت صغيراً وأتساءل .. أتُرى العالم الموصوف لنا أكبر
من حارتنا .. حدثيني .. فحين أشتاق إليكِ أنحني
لأقبل صوت كلماتك .

تذكرين ؟! خالة زينب .. كانت تبدوا بعباءتها ليلٌ صغير .. ثرثرتها قماش
طويل لا ينتهي .. تصبان أخبار الجارات في كؤوس الضحي .. وتشربان
الوداع في غضب الظهيرة .. وسريعاً تعود كولادة متكررة ، وبين نسيان ونسيان
.. تُقبل خالة عيشة كفاكهة لذيذة .. ومعها صرة الودع .. أترين يا سعدية ؟
هذا رجلٌ كرشه مثل شربة ماء لكن كلامه حلاوة لوزية .. لعله يزوركم قريباً
.. وهذا أظنه عريس لإبنتك نجاة .. ما شاء الله على طوله .. وهنا امرأة
.. كفاك الله شرها .. تأتيك بغارة .. غارة تاخذها إن شاء الله ..
انتبهي يا سعدية ، مسكينة يا أمي .. لستُ أرى أمامي غير صدف منثور ،
أيام جميلة .. حتى المساء يأتينا وكلتا يديه صباح .

المطاعم أفواه كبيرة تنادي جوعنا .. أما زلتِ تبغضينها .. وأي طعام يشبه
طعامك يا أمي .. له رائحة ربيع معجون بنجم معتق ويغطيه مطر
مملح .. يفوح بأحلام محمضة كتلك التي تلعقها ألسنة المساء ..
ومذاقه شهادة تقدير أُهديت لتلميذ بعد كفاح ، في صغري أحسبك تخبئين
الفجر في الدولاب الكبير وتوقظيه ليحتفل معنا بطبق الإفطار .. والليل
لا يجرؤ على الأفول حتى يراك توقظينا بيديك ، لم أشعر يوماً بفقر
أثاثنا .. بالسجادة الخاشعة تحت نظرات سقف خشبي .. بالجدار المتهالك
من توالي السنين .. فالكل ثريٌ بأمي .

أما تشتاقين للحرم يا حبيبتي .. تعودين ومعكِ ملائكة كثر .. السماء
تخطف دعواتك وتنثرها نجوماً ساجدة .. وجهك يمطر نوراً أدسه
في ذاكرتي .. في الطريق .. تُنجبين قصص الزائرات .. مصرية شكت
إليكِ جور زوجها .. وأخرى أثقلتك بخُطى عمرتها .. معكِ تقصر
المسافات يا أمي .. والإشارات الحمراء تبدوا صديقة وبجواركِ أنسى
الأرصفة التي تتظاهر بأشجار ترفعها .. ، تفاصيل صغيرة كهذه ما
حسبتها تبكيني حين فقدها .. نسيتُ أن نار الذاكرة من شرر الحكايا .

حياتنا يا أمي تنام في مكانها كقبرٍ هادئ .. ولا ندري أي قدرٍ سيفتح علينا ..
قد تكون فرحة بقدر حبة قمح .. أو حزن طويل بطول العمر .. فجأة ..
عادت ذاكرتك بلا ذاكرة .. زهايمرٌ لعين سطا عليها .. سبعون عاماً أين ذهبت
تفاصيلها ؟ .. أفتقدك وأنت بجواري يا أمي .. ويضج بي ألمٌ عظيم
وأنت تلحين عليّ بالسؤال كل حين .. من أنت ؟!

 

التوقيع

المدينة المنورة ،، حيث الحب الكبير

عبدالرحيم فرغلي غير متصل   رد مع اقتباس