منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - محمود شاكر ( أبو فهر ) لمن لا يعرفه ...
عرض مشاركة واحدة
قديم 07-19-2006, 01:30 PM   #2
حمد الرحيمي

كاتب

مؤسس

افتراضي




معارك فكرية أخرى

وبعد خروجه من السجن هذه المرة عاد إلى ما كان عليه من قبل، فكتب في مجلة "المجلة" 7 مقالات إضافية تحت عنوان "نمط صعب، نمط مخيف" استجابة لصديقه الأديب يحيى حقي، حين أشاد بترجمة الشاعر الألماني "جوته" لقصيدة من قصائد الشاعر الجاهلي "تأبط شرا" وتساءل حول الترتيب الذي اقترحه الشاعر الألماني حين ترجم القصيدة إلى الألمانية، وحول الشعر القديم وروايته وافتقاد القصيدة العربية إلى الوحدة، وقد اقتضت الإجابة حول هذه الأسئلة تشعبا في الكلام، وامتدادا في أطرافه بلغ 400 صفحة حين جمع المقالات في كتاب، وقد تخلل ذلك نقد محكم للدكتور عبد الغفار مكاوي حين أعاد ترجمة قصيدة جوته إلى العربية، ودارت بينهما معركة قصيرة حول هذه الترجمة التي اتهمها شاكر بالركاكة والسقم.

ثم دارت معركة أخرى بينه وبين الباحث العراقي الدكتور علي جواد الطاهر حول تحقيقه كتاب "طبقات فحول الشعراء" لابن سلام الجمحي، وتولد عن ذلك كتابه "برنامج طبقات فحول الشعراء".






تحقيق كتب التراث

يعد شاكر على رأس قائمة محققي التراث العربي، وأطلق عليه العقاد المحقق الفنان، وإنجازاته في هذا المجال كثيرة، وهي عنوان على الدقة والإتقان، ومن أشهر الكتب التي حققها: تفسير الطبري (16 جزءا)، طبقات فحول الشعراء (مجلدان)، تهذيب الآثار للطبري (6 مجلدات).. وشاكر لا يحب أن يوصف بأنه محقق لنصوص التراث العربي، وإنما يحب أن يوصف بأنه قارئ وشارح لها، وهو يكتب على أغلفة الكتب التي يقوم بتحقيقها عبارة: "قرأه وشرحه" وهذه العبارة كما يقول الدكتور محمود الربيعي "هي الحد الفاصل بين طبيعة عمله وطبيعة عمل غيره من شيوخ المحققين، إنه يوجه النص ويبين معناه بنوع من التوجيه أو القراءة التي تجعله محررا؛ لأنها قراءة ترفدها خبرة نوعية عميقة بطريقة الكتابة العربية، وهو إذا مال بالقراءة ناحية معينة أتى شرحه مقاربا، وضبطه مقنعا، وأفق فهمه واسعا، فخلع على النص بعض نفسه وأصبح كأنه صاحبه ومبدعه".





صاحب رسالة

لم يكن شاكر في يوم من الأيام موظفا يمد يده نهاية كل شهر إلى مرتب ينتظره فتكون للحكومة كلمة نافذة في رزقه ومكانته، بل انقطع لعلمه وفكره ومكتبته وبحثه ودرسه وزملائه وتلاميذه كالراهب الذي انقطع للعبادة في صومعته.

وعاش على أقل القليل يكفيه ويسد حاجته، ومرت عليه سنوات عجاف لكنه لم ينحن أو يميل على الرغم من أن بيته كان مفتوحا لتلاميذه وأصدقائه وعارفي فضله.

ولم يكن له من مورد سوى عائده من كتبه التي كان يقوم بتحقيقها، وكان اسمه على صدرها يضمن لها النجاح والرواج، ولم يكن يأخذ شيئا على مقالاته التي يكتبها، فأعاد لمجلة العربي الكويتية سنة 1982م مائة وخمسين دولارا نظير مقالة كتبها ردا على الكاتب اليمني عبد العزيز المقالح حول طه حسين، ورفض أن يتسلم من دار الهلال مكافأته عن تأليفه كتابه المهم "رسالة في الطريق إلى ثقافتنا".

ولأنه كان يشعر أنه صاحب رسالة فإنه كان ينتفض حين يرى انتهاك حرمة من حرمات اللغة العربية فيقف مدافعا عنها بكل ما يملك من أدوات علمية وفكرية، تجعل الخصم يسلم بما يقول أو يلوي هاربا. ومعاركه كلها جمعت في كتب وصارت وثائق في تاريخنا الفكري الحديث، كتبها هو من موقع المدافع والحارس لثقافة الأمة، ولولا خصومه لما ظهرت معظم مؤلفاته؛ لأنها كانت استجابة لتحديات عظيمة، وهي تظهر عظمة شاكر؛ لأنه لم يحتشد لها مثلما يحتشد المؤلفون عند تأليف كتبهم وإنما دخلها كارها مستندا إلى ثقافة واسعة وعلم غزير، وفكر ثاقب وروح وثابة، فأتى بالعجب العجاب.

وفي أخريات عمره رد له بعض الاعتبار، فنال جائزة الدولة التقديرية في الأدب سنة 1981م، ثم جائزة الملك فيصل في الأدب العربي عام 1984م، وفي أثناء ذلك اختير عضوا في مجمع اللغة العربية بدمشق، ثم بالقاهرة.

وبعد رحلة حياة عريضة رحل أبو فهر شيخ العربية وإمام المحققين في الساعة الخامسة من عصر الخميس الموافق 3 من ربيع الآخر 1418هـ= 6 من أغسطس 1997م) ولبى نداء ربه.. فسلام عليك أبا فهر.






 

حمد الرحيمي غير متصل   رد مع اقتباس