منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - اقتفاء. نسخ. لصق. اختفاء.
عرض مشاركة واحدة
قديم 01-28-2016, 07:39 AM   #1
عائِشة محمد
( كاتبة )

افتراضي اقتفاء. نسخ. لصق. اختفاء.


*


كيف. بمجرد أن تكتب تلك الكلمة في محرك البحث، تتهافت أمامك في حجرة البحث العديد بل المزيد من الأيادي المتدفقة كل ثانية أمامك، و أنت الذي لم تقل بعد سوى "كيف". ليتك ألحقتها بعلامة الاستفهام التي تدل على سؤال توجهه لأحدهم، لكن و بكل أسفٍ أنك قلت كيف من غير أية إضافة حين تدفقت الأيادي الممدودة أمامك كل هذا المد، كلٌ على ليلاه يصرخ أنا، أنا.
هذه حقيقة لابد أن نعترف بها بشكل أو بآخر. سواء أكنا لذلك مدركين أو لا. ما هذه الحقيقة؟ ستعرف ذلك بينما أنت تقرأ. مهلاً هذا ليس تحفيزاً للقراءة إطلاقاً. إنما لا أستطيع أن أخبرك بذلك الاعتراف لأنك لن تفهم ما يكون، و ما هو عليه، و ما هو في المقام الأول. و لأنك لن تفهم، فضلتُ أن أؤجل الاعتراف بتلك الحقيقة في نهاية الأمر لأنك لن تفهم الآن حين أخبرك و لا أرغب أن تكتب أو تنطق بكيف لمجرد أن أخبرك بها. لذلك، ما إن لا ترغب في القراءة فلا تفعل، فهذا ليس تحفيزاً و أنا أخبرك بذلك من الآن. توقف عن القراءة طالما أردت ذلك.
نعود لما كنا نتحدث عنه. كنت أقول أننا في الآونة الأخيرة، بلغنا من التقدم ما هو كفيل في تقديم العون لنا في إنجاز كل شيء و أي شيء في كل وقت و زمان. انتبه على أني لم أقل ما هو كفيل بإنجاز كل شيء... الخ، إنما أقول بلغنا من التطور ما هو كفيل في تقديم عونٍ و مساعدة فيما ننجز لنتمكن من إنجازه. فعدما يرغب أحدهم في إبهار حبيبته بمقطوعة يعزفها أمامها بالكمان دون أن يعرف أي شيء من عالم الموسيقى، يتمكن من ذلك. كذلك حين ترغب تلك الفتاة في تعلم اللغة الصينية دون أن تمتلك أي خلفية في تعلم اللغات، تتمكن من ذلك. أيضاً حين يرغب صديقي في اقتناء سيارة دون أن يمتلك خبرة في اختيار السيارة الأفضل بالسعر المحدود بين يديه و بكل المواصفات التي يريدها، يتمكن من ذلك بالشكل المناسب الجيد. كل منا، حين يرغب أحد في فعل شيء ما، تعلم أمر ما، الاستنارة في قضية ما، التزود بمعلومة بشأن معضلة ما... الخ، يتمكن من ذلك بكل بساطة. كوننا نعلم السبيل إلى ذلك، ألا و هو كيف.
فبمجرد أن تكتب تلك الكلمة، تلحق من بعدها ما تشاء من كيفية أمر ما. تجد من الجواب الكافي الوافي في محرك البحث. تقرأ، تتعلم، تتزود، تتثقف، تستنير، تنجز و تتمكن. فما بلغناه من تطور و مضمون و محتوىً تقني، أصبح كفيل بأن يعينك و يمد لك المساعدة في إنجاز و إكمال ما ترغب به. كل ما عليك فعله وحسب الضغط على زر البحث في مجمعات البحث التقنية ليس إلا و اقتفاء ما تبحث عنه.
هذا أمر جيد، أليس كذلك؟ حتما إنه لأمر جيد بالفعل و لا في ذلك شك. لكن، هلاّ توقفنا قليلاً لنسأل أنفسنا ماذا نفعل؟ و حين نفعل ما نفعل، كيف نفعله؟ أ بطريقتنا نفعل؟ أم بطريقة من يرشدنا كيف نفعل نفعلُ؟
حسناً، سأبسط الأمر كثيراً. رغم جمال تمكننا من فعل ما نرغب به بكل سلاسة، إلا أنا بدأنا نفقد جزء من هويتنا نحن. نحن، أنا، أنتِ، أنتَ، هو، هي، كلنا، بتنا نحمل ذات البصمة، ذات الطبعة و ذات الختم. هذا كفيل بأن يبعث في نفوسنا الآن أينما حللنا بالضجر لتعدد نسخ الأشياء، و قلة الأشياء بحد ذاتها.
في البداية، كان كل شيء يسير على ما يرام، إلا أن تزايد التعدد و تقارب التشابه حتى بات كل شيءٍ نسخاً لا حذواً في الخطى. بات كل شيء الآن إن نصنعه ننسخه ممن نتعلم منه لا نحذو خطاه في كيفية الصنع و ماهية التأليف. صرنا الآن في مرحلة تكاد فيها الأشياء تبدو واحدة، لا فرق بين نسخها الا معدودة؛ في كل شيء، الفن بفروع، العلم بتفرعه، المظهر بهيئاته، العواطف بكل مشاعرها. كل شيء أصبح مهترئاً من تعدد نسخه الكثيرة البالغة حد الضجر و الجنون.
ألا يستحق الأمر وقفة تأمل فيما يحدث و ننجرف فيه؟ ألا يستحق الأمر أن تنظر إلى هيئتك في المرآة، أهذا أنت؟ ألا يستحق أن تتوقف و تقرأ ما كتبته، أهكذا يتحدث شعورك بلغة الكتابة؟ ألم تنظر إلى عملك الذي أنجزته اليوم، أتعلم حقاً تفاصيل محتواه؟ ألا يستحق الأمر أن تتجمد فيما تفعله حالياً، انظر، أهذه مهنتك؟ أهذا صوتك؟ أهذا حقاً ما في عقلك يترجمه يداك؟ أو هذا بالفعل حديث قلبك أنت؟ أهذا أنت الذي يقرأ؟
حسناً، هذا كل ما في الأمر مما كنت أود قولهُ. فهل فهمت الآن ما الاعتراف الذي كنت أحتفظ به حتى النهاية؟ ها أنا ذا أنثر الحقيقة أمامك و ما تبقى سوى أن تعترف به بدورك. لكن، قبل أن تعترف به، أتدرك حقاً هذا الاستنساخ المتزايد الذي ساهمت به من غير أن تنتبه له؟ أتدرك حقاً حقيقة ما يجري؟ هذه الكارثة التي أوشك على أن تنهي حدوثها فيما تقع هي الآن ببطيء، ببطيء شديد نتشربها. إذن اعترف بما فعلت، كم نسخة نسختها؟ ما نسخت؟ ألا تزال في كيانك الأصل؟ أ أنت أصلي؟ مهلاً لا تجب على سؤالي. بصوت منخفض وحسب، في داخلك فحسب؛ أجب عليه لا يسمعك سوى أنت ليس إلا.

 

التوقيع



أنا تلك السيدة الطفلة،
تلك البلهاء التي تنطق بما لا تريد؛ تلك البلهاء الخرساء عما تريد.






تحاور معي: 7D50F6D8

عائِشة محمد غير متصل   رد مع اقتباس