ليلٌ غريقٌ يعيشه نبضًا , ونهارٌ يُسطره وجعًا وفي عُمقِ عينيه يكتبه
أسطورة حلم
ذلك الإنسان ظلَ يقطعُ أشواطً حياته في تَرَقبٍ وذهول ... ينتظرُ في ولهٍ تَفتح
الزهور, ويخشى حين تفتحها الذبول... يعشقُ شمسُ الأمل ويترقبُ في وجلٍ
ألم الأفول..
هُنا .. في هذا المنزل يجلسُ في أحدِ زواياه على مكتبه المتواضع ينتشل نفسه من
ضجيجِ البشر, وضوضاءِ الحياة ...حيث ذاته يُبحر في عِبابِ نفسه على مركبٍ
قد صاغه من خيال...يضجُ رأسه بالروايات والقصص ويختزنُ ذاكرةً حوتْ بين
طياتها أساطير الحياة.
.. إنه يجعل الحياة كتابًا بل هي درسًا تستوعبه الأذهان ..
يغيبُ في خيالاتٍ شتى يُريدُ أن يجعلَ من الحلمِ واقعًا بل يتمرد على الواقع
ويخشى أن يتلاشى الحلم ...يستيقظ من غفوته ينفضُ من حوله ضباب وهم ..
لقد عاش لحظة خيال وغرق في بوتقةِ حُلم...
لكن بلهجة المتبرم ...يسقطُ الحلم والخيال ليبقَ الواقعُ والحقيقة.
هُنا بين أوراقهِ حروفٌ مُبعثرة , وفي حناياه نبضاتٌ تئن تحملُ على كتفِ
الروحِ أحلامَا ثكلى.
سكونُ الليل يلفه وطنًا يحتضنُ كل شعثه يُلملمُ كل خيوط خياله , وحفيفُ الغُصن
وعزفُ البلبل قيثارة تُلحن شجنه... إنه يبحث في هذا العالم عمَّا يُسكنُ به وجعه
فيظل يذرعُ ليله الطويل وفي حناياه صدى كلمات خالطت شِغَاف وجده...
ليس العيب أن تنحني للعاصفة لكن العيب أن تظل منحنيًا إلى الأبد
هذه الأحرف حبيسة وجد مُثخن بالتمني تسري كهباتِ نسيمٍ باردة في أروقةِ ضلوعه ليتحررَ بها
من قيودٍ أثقلت معصمه ويتسلل من قضبانِ عجزٍ أهدرت محاولاته وقصرت عمر
خطواته... ليكتفِ الوجع منه وينتشله من كوماته السوداء...
فتح نافذة غرفته ..أخذ يتأمل الأفق ..صفحة السماء ...تزاحم النجوم والقمر يتهادى
بينها..سارعت إلى فكره كلمات ظل يهمهمُ بها يستعذبها بوحًا خفيا..
ما أجمل الحرية ! نعم ما أجملها ..حينما يعيشها الإنسان في أرضه تحت غيمات وطنه
وما أجمل الوجود حينما يبدو لك باسمًا وما أوجع الاستعباد والقهر تحت ظلال غرسك
وحينما يزأر الوجود في وجهك ويمحو تقاسيم الفرحة الغامرة ملامحك.
وما أمر الذل والحرمان وحينما ينغرس سهمه في أعماقك..
في لحظة ما...
غرق في صمتٍ عميق ..يتأملُ كونًا يسكنه خرج عن حدود خارطة مدينته
شجرٌ يتوسده أليل ليل, وقمرٌ مرسومٌ وميضه على صفحة ماء ...وهديل حمائم في وكرها
ترتل الهجوع..
علت وجهه ابتسامة حزينة .. وأخذ يقول :- تلك الطيور مازالت حرة طليقة تُحلق من
سماء إلى أخرى وترفرفُ بأجنحتها عند غديرٍ أو نهر ..تُحلق طيلة حياتها تبحثُ عن
الأمن لتجد فيه مسكنها وتشدو بتغريدٍ تعشقه مسامع الطبيعة ...
هُنا حفيفُ أوراقِ الشجر وهناك للنهرِ خريرعذب وعلى تلك القمة تعيش النسور وهناك
في ذلك المنحنى وفي تلك البقعة المُكبلة بألفِ قيد ...يُعذبُ الإنسان وتُسلبُ حقوقه...
ما أوجعها من حياة وما أقساه من استعباد..
إن النفس الإنسانية تهوى نسمات الحرية بل وتعيش بها وتنفرُ من أغلال ذلٍ واستعباد
كيف لا وقد خُلق الإنسانَ حُرًا .
( لا ينسى الطائر السجين الطيران مهما طال سجنه ولكن الإنسان ينسى الحرية تمامًا
بطول الاستعباد).
[aldl]http://www.ab33ad.info/up/uploads/images/ab33ad.info-2a1dc8e80e.jpg[/aldl]