منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - فراغ
الموضوع: فراغ
عرض مشاركة واحدة
قديم 09-02-2014, 03:27 AM   #4
عائِشة محمد
( كاتبة )

افتراضي


-




(5)




كنت مشكلة العديد من الدوائر التي تستهويني بأن أدور أكثر فأكثر من جديد في كل انقضاء دورة، كنت لا أزال أدور و أدور. أدور بشكل عشوائي حول نفسي و على نفسي و مع نفسي و فوق نفسي و في نفسي و خلال نفسي كذلك، متخذة بذلك أوضاع غريبة عجيبة في كل دورة أشكلها. بعضها ما لم يكن معظمها، كانت أشبه باختراع جديد، حتماً لم يسبق لأحد تشكيل تلك الوضعيات العجيبة الغريبة التي كنت أشكلها. ها قد اخترعت شيئاً للتو، يا ليّ من مخترعة، و نقطة جيدة تحتسب لي.

الدوائر المدورة التي كنت أدور فيها و عليها و من فوقها و في داخلها و بها و بجنبيها كانت تشعرني بلذة و انتعاش مطلق لا يمكن تصوره، كنت أمارس طقوساً عجيبة للرائي و العارف، كنت و لازلت أمارس تلك الطقوس بكل لذة، و ما كان من متطفل ما إلا و أصدر صوتاً سيئاً أزعجني و قطع علي التفرد و التلذذ بلذة ما كنت أقوم به، كان بالأحرى أصواتاً متتابعة و لا أدري كيف تلاحقت تلك الأصوات و كأنما هي سلسلة من تلك السلاسل التي يكبل بها السجناء ذوي الجرائم الشنيعة في نظرة من سجنوهم. لا أشك أنها لم تكن المرة الأولى التي يُصدر فيها الصوت، لكن لابد و أنها كانت المرة الأخيرة التي أسمع فيها الصوت عندما توقفت و بدأ ينتابني الغضب شيئاً فشيئاً. توقفت أبحث عن مصدر الصوت الطفيلي المزعج ذلك، التفت يميناً يساراً و لا كائنات تتواجد بالقرب مني، تتبعت الصوت في ذاكرتي، من أين يمكن له أن يصدر صوتٌ كهذا؟ حتى وصلت لأحد طرفي الصوت.

كان بعيداً صاحبهُ جداً كما بدى لي في بادئ الأمر، كان يعلو من فوقي تماماً. رفعت رأسي، و إذا بي أجد حفنة من الكائنات الطفيلية بالقرب من المصباح العجوز المتدلي فوق رأسي. أذكر أن تلك الحفنة لم يكن يتجاوز أفرادها الخمس أو العشر ربما. لا يهم، المهم أنني اشتعلت غضباً من غير دخان، و أنا أبدأ في التفكير بطريقة ما للتخلص من هذه الكائنات القريبة من مصباحي المتدلي العجوز من فوقي.

ما لفت انتباهي و أنا أفكر بطريقة ما للتخلص منهم، أن هذه الكائنات أو كما تسمونها "يراعات"، كانت تبدو و كأنها شريط إعادة لما كنت أقوم به قبل أن يقطع صوتهم الطفيلي ما كنت أقوم به. تأملتهم قليلاً، نظرتُ إليهم عن كثب، حاولت أن أهدأ من الغضب الذي يتصاعدُ بيّ، لماذا يفعلون هذا يا ترى؟ لماذا يقومون بتقليدي؟ ما أذنتُ لهم أنا بأن يقوموا بتسجيل ما كنت أقوم به، فكيف إذ هم يقومون بإعادة الشريط الذي سجلوه مني من غير أن آذن لهم ذلك! و بكل وقاحة يفعلون ذلك أمامي و في غرفتي و بالقرب من مصباحي العجوز هذا!. يا لوقاحتهم!. أعدت النظر في الأمر، و وجدتُ أن بهم شيءٌ من ضوء و نور, بالكاد أن يتفوق ضوء مصباحيّ على ضوئهم. و أنا أتأملهم و أحلل و أفكر، خطرت لي فكرة، قلت لربما يموتون من جراء اطفاء المصباح عنهم! ربما ضوؤهم هذا ليس سوى انعكاسٍ من ضوء مصباحي العجوز الذي لا يضاهونه! و بالفعل، هرعتُ إلى زر الإطفاء الخاص بمصباحي العجوز، و أطفأت المصباح، و لم يحدث شيء. فعلاً لم يحدث شيء، لربما لم ينتبهوا هذه المرة إلى اطفاء المصباح عنهم، قد يكون الضوء الذي يعكسونه متأخراً عن ضوء المصباح قليلاً، ربما! سأنتظر قليلاً و سأرى كيف سيتلاشى ضوئهم المقِيت هذا.

لم يحدث شيء، و لم يتلاشى ضوئهم حتى بعدما أن أطفأتُ المصباح و انتظرت قليلاً، لم يحدث شيءٌ أبداً، غير أن سرعة دورانهم بدأت تقل. صحيح، ربما أن ضوء المصباح كان شيئاً رئيسياً لإعادة الشريط المسجل لديهم عني! لما لا أقوم بتشتيتهم و تخريب تركيزهم، لما لا أشعرهم بالجنون و الدوران الخارج عن السيطرة لعقلهم. بالفعل، هرعتُ بجانب الزر مرة أخرى، و بدأت أطفأ المصباح و أشعله، أطفأهُ و أشعله، و هكذا دواليك. انتابني الحماس، و ازدادت سرعة و خفة أصابعي، و كنت سريعة في اطفاء و اشعال المصباح العجوز، لدرجة أنني نسيت ما كنت أفعل هذا من أجله.

فجأة، اختفى الضوء و لم يظهر ثانية، أدركت حينها أنني قمت بتخريب المصباح العجوز من جديد. و ما كان مني إلا أن بدأتُ أمارس الدوائر التي كنت أفعلها في بادئ الأمر مجدداً، في هذا المكان الشبه مظلم إلا من ضوء القمر الخافت و كأن شيئاً لم يكن.

أوه، صحيح، اليراعات! تذكرت، أين اختفوا بعد المصباح؟ ألم يقدروا على الصمود؟ بدأت أبحث عنهم و أنا مليئة بالضحك الساخر و الضجر من أمرهم في نفس الوقت, و ظهر أمامي بينما كنت أبحث ضوء خافتُ يظهر و يختفي و كأنه يحتضر متنفساً بآخر أنفاسه. كانت إحدى اليراعات تموت جراء ما فعلت بالمصباح، تموت لتتبع أفراد مجموعتها الذين لقو مصرعهم على يدي. قتلت الجميع بلا استثناء، قتلت اليراعات جميعاً، و قتلتُ مصباحي العجوز كذلك.


 

التوقيع



أنا تلك السيدة الطفلة،
تلك البلهاء التي تنطق بما لا تريد؛ تلك البلهاء الخرساء عما تريد.






تحاور معي: 7D50F6D8

عائِشة محمد غير متصل   رد مع اقتباس