منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - I .. أُّميَّ أي غَصةٍ أّشْهَقُ بِهَا صَــدْرَ الحَنيِنِ إنْ اْشْتَقْتُكِ .. I
عرض مشاركة واحدة
قديم 09-28-2013, 03:14 PM   #8
شموخ الكبرياء
.. شَامِخَةُ نَجْدُ العَذْيّةِ ..
I هُــدَّابِ الـدِّمَـقْـسِ I

افتراضي


.
.
آه .. هند حكيتي لي عن يوم دراسي ، وبدأت دموع الحكايا تنفرط أمام عيني ،
تذكرت كيف كانت توقظني والدتي صباحا للمرة الأولى توقظني للصلاة ،
والثانية تخبرني أني تأخرت عن وقت خروجي ، والثالثة تشدد لهجتها
إن لم أصحو ستأتي بكوب ماء بارد فهو كفيل بالمهمة المتعبة ،
وفي كل مرة يحلو احتضان الوسادة ، وتعاود إيقاظي دون كلل ،
لأستعد للذهاب لمدرستي وكوب حليبي الدافئ كدفئ قلبها
تمسكه كي تطمئن أني شربته ، للحظة خروجي تتفقدني ، إلى ان تبعد
شعرة من جديلتي سقطت على كتقي ، وكأنها تريد أن تشتمها
لأنها تسيئ لهندامي ، أخرج وتتبعني دعواتها ' استودعتك الله '
أصل لمدرستي ولايرى سوى حاجب غضبي على اليوم الدراسي ،
حقيبتي، جرس المدرسة ، رؤية مدرساتي ، ثقل طابور الصباح ،
الإذاعة المدرسية ، وتفتيش الأظافر_ الذي كتبت فيه أكثر من تعهد_ ،
على أني كنت من المتفوقات واللطيفات أيضا _ولكن كنت أميل للمزاجية والقيادية أكثر،
أو بالأصح لا أحب أن أتكلف بمسؤولية معينة ، ولا أحب الأوامر ،
أتتبع عقرب الساعة وأنا متمللة من كل شئ ، أريد بيتنا ، فراشي ، التلفاز ،
الهدوء ، أعود للبيت متضجرة مما كان بالخارج صوت حارس المدرسة
وهو يصرخ في فم المايكريفون بصوته الحاد 'فلانة بنت فلان تطلع '
يالله كم هو مزعج ، الزحام الكثيف ، الإشارة المتبلدة ، رطوبة الجو ،
وعيني الذابلة من السهر ، ولا يستقبلني بوجه مبتسم سوى أمي ،
تلك التي برؤيتها تتقلص مسافات الأرق داخلي دون شعور ،
ومع هذا لا ألقي لذلك بالا في جل أمري ، تستقبلني كالأميرة ،
المنزل يعج برائحة قهوتها ، الغداء جاهز ، كل شئ نظيف ،
غرفتي البائسة التي تتذمر من فوضويتي ، أجدها هي الأخرى منتعشة ،
سريعا آخذ حمام بارد ، وأعود لأنتهك ترتيب غرفتي ،
أحضر وجبة الغداء معهم وﻷني مغرمة بالنوم ، فلا آخذ كفايتي منها ،
أغفو بقيلولة مابين الأربع إلى الخمس ساعات ، أصحو وقد اعتدل مزاجي ،
ثم أبحث عن أمي _كم كنت أنانية وسيئة أيضا _، كعادتها أجدها
في تمام الثامنة مساءا تحتسي قهوتها ' النسكافة ' أشعر وكأن رايحتها
مازالت متشبثة بأنفي، ولا أسمع سوى ' يالله تحييها تعالي تقهوي '
أجلس بالمقابل لها أنتظر قهوتي تبرد، وهي تتفحص وجهي وجسدي
لتسألني وكأنك ' نحفت ' أشرب قهوتي على عجل كي لاتنهمر بباقي
الأسئلة التي مللتها ، وأوري الحقيقة بقولي ، لا'يمه البيجامة وسعت ' ، فأهرب من جو
تحقيقها كما كنت أسميه ، وأخبرها عن ابتهاج المدرسات بآخر مقال كتبته ،
وتكريمهن لي في إذاعة الصباح ، واختياري لتقديم مقال أدبي كل أسبوع ،
وعن المعلمة التي عادت من إجازة الأمومة ، وزميلتنا التي كتب عقد قرآنها ،
ولم أفكر أن أسأل عن حالها ، عن أثرِ الحرقِ بيدها ، وعن
السُكري الذي نهشَ عافيتهَا وَسرقَ حُمرةَ لونهَا ، أنكب على وجه كتبي إلى مايقارب
الواحدة ليلا ثم أخلد للنوم ،
بعد تكرر عبارات التوبيخ منها صحتك. .. نامي. .. السهر مب زين. ...... الخ ،
ولا ألقي بالا للمرة الثانية ، فقط أقول لها ' ادعي يجي مطر عشان نغيب ' (:
ذلك أن مزاجيتي للسهر في أهب نشوتها.
وهكذا يتكرر ذلك المشهد طيلة أيام الأسبوع ، ويومي العطلة لا أحبذهما،
ففيهما تجمع العائلة الذي أسميه تجمع العقول الفارغة ، وكثيرا ماكنت
أدخل مع والدتي في نقاش لايروق لي ، لأن في رأيي لن يبنى مجتمعا
يتحدث عن آخر الطبخات ، والمسلسلات وأحدث الآت الرجيم ..
فكنت أحب العزلة وابتكار أفكارا لكيفية حفظ دروسي ، وإنشاء بحوث متميزة ،
والتي هي محط أنظار معلماتي من قبل
الآن تبدل كل شئ ، أعود كهذا الوقت متضجرة من سوء الحال خارج البيت ،
لأجد مايسوؤني أكثر بالداخل ، أتسلل في ملل وأنا أقلب رزمة مفاتيحي
دون انتباه ، كل شئ هامد ، لا رائحة قهوة ، لا وجبة غداء ، والأهم
من ذلك وجهك المبتسم ، فقط صوت الأجهزة اﻷلكترونية وهي تأخذ
قسط من الراحة ثم تعمل ، وأنا من أين لي براحة بعدك أمي ، آه أمي
لاأحمل قلبا بحجم سماء قلبك دون حدود ، أغضب ما أن حرك ساكن
أو كسرت قطعة في منزلك ، أو أستقبلت ضيوفا غليظي الطينة ،
ما أجملك كيف كنت بهذا الكرم من الصبر ، لتتحملي ثقل مزاجيتي ،
وأنانيتي ، وفوضويتي ، وجنوني أحيانا. .......ورب السموات السبع والأرضين
يا أمي أفتقدت كل شئ معك ، ولك ،أفتقدت أسئلتك الحانية ، كيف إختبارك ..
مابك هزيلة ؟ ماذا أكلت ؟، كيف هو يومك ؟ وماذا ستلبسين اليوم ؟ . .
وماذا. . وماذا ؟ . ، كنت بين يدي وظننت ان ذلك تحقيقا بقدر ماأيقنت
أنه اهتمام ، بعدما أفتقدتك ، لا أحد يسألني. .! لا أحد يهتم ... !
حتى أصبحت حياتي باهتة ، خاوية ، أدخل غرفتك أقلب
في تسريحتك الكبيرة ، بقدر ماهي ممتلئة بأغراضك إلا أنها تئن لفقدك ،
أشتم رائحتك فيها ، وتنساب المشاهد بين أدمعي وحبات سبحتك
تتغنج بين أصابعك الطهر ، وترتسم صورتك وأنت تتزين بكحلك ،
وتقلدين جيدك ذلك اللؤلؤ ، وغرفتك تفوح بأنفاس العود ،
وضحكاتك وأنت تتكئين بهاتفك على كتفك الغض ، بين الحيعلتين
أضمها قطعة قطعة إلى صدري وأمرغ بها جفاف خدي من لمسك .


آه أمي أقولها بصوت الفقد المبحوح ، كل شئ بعدك ذابل فقط ،
إلا ابنتك بعدك ذابلة ويتيمة .



.
.

رحمكِ الله ياسيدة النساء ، وجمعني بك في الفردوس الأعلى

 

التوقيع

.
.
أَتَذكُرُ أشياءاً لَمْ تَحْدثُ ..!!!

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

شموخ الكبرياء غير متصل   رد مع اقتباس