منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - قبلة على فمِ العدوّ
عرض مشاركة واحدة
قديم 09-20-2013, 02:47 AM   #3
سارة النمس
( كاتبة جزائرية )

الصورة الرمزية سارة النمس

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 12

سارة النمس سوف تصبح مشهورا في وقت قريب بما فيه الكفاية

افتراضي




نفذتُ الأوامر كما طلبَ مني ، و جلست في حديقة غنّاء ، في " الرملة " ، هذه المدينة الخليقة بأن تكون كلّها متحفًا أثريًا و قبلة للشغوفين بالتاريخ ، فلكل حجر هنا قصة و حادثة . . بوسعهم أن يسلبوا كل شيء ، أن يطردوا من يشاؤون من الفلسطينيين لكن كيف بوسعهم أن يغيروا رائحة الهواء و التراب ؟
و كيف لهم أن يجَنسوا الأشجار و الأزهار ؟ كل ما على الأرض فلسطيني أبًا عن جدّ ، بصماتهم لازالت عالقة بالجدران رائحة دمائهم شذبة كالمسك تنبعث من تحت التراب ، بوسعكم أن تعيشوا هنا أيها القرود و أن تغيروا كل شيء ، و لكن الأرض ستبقى فلسطينية إلى يوم البعث ، هذا ما كنت أردده بيني و بين نفسي .

و بعد ساعات أمضيتها في الفندق ، جاء إيزرا أو " زيد " لاصطحابي مجددّا ، و ذهبنا باتجاه برج " شالوم مائير " ، كانت حركة السير مزدحمة جدّا ليلاً ، كل الإسرائيليين و السياح خرجوا ليرقصوا و يثملوا ، التقيت ب " إيثان " أخيرًا بعد أشهر من الغياب ، و كاد يطير بي فرحًا ، هذا الغبي عشقني حقًا بعدما استدرجته في باريس ، إيثان رجل طويل القامة ، نحيف الجسم ، أصهب ، لون شعره بني فاتح يكاد أن يكون برتقاليًا ، له عينان كبيرتان لونهما بني ، شفتيه رفيعتين و هو نمِش البشرة ، على خديه بقع بنية ، و على يديه و على كتفيه و ربما على جسده كلّه . . !

جاء في إجازة صيفية إلى باريس ، رفقة والدته ، و هناك دُبِّر لي أن أعمل كنادلة في المطعم الذي كان يرتاده ، و الذي يبعد عن الفندق الذي أقام فيه بضعة أمتار ، لذلك كان لقاؤنا يشبه الصدفة إلى حد ما أو هكذا اعتقد ، في اللحظة الأولى التي رآني فيها أعجب بي ، و في اللقاء الأول طلب مني أن أسجل له رقمي و عنوان بريدي الالكتروني و اسمي على موقع " الفيسبوك " ، و لكنني تمنعت كثيرًا بحجة أنني خرجت من علاقة فاشلة لتوي ، و لست على استعداد لدخول علاقة أخرى و لستُ أفكر بالحب كمشروع عاطفي و كل هذا كي لا يحس بأنه فريسة نريد اصطيادها .

أصبح يتردد على المطعم يوميًا ، و أحيانًا أكثر من مرة في اليوم ، و عرّفني على والدته ، و لم يتردد في أن يقدم لي وردا و شوكولاطة ، بعد إلحاح منه ، وافقت أن أعطيه فرصة من أجل التعرف عليه ، أخبرني أنه ابن جنرال اسرائيلي ، و أنه جندي بالجيش أيضًا ، و هو لا يعلم أنني أعرف عنه كلّ هذا مسبقًا ، و أخبرني أيضًا عن وطنه اسرائيل و هو يشرح لي ألا أصدق مبالغات الإعلام في تضخيم جرائم الجيش الإسرائيلي

تحدث عن وطنه بحب و ولاء مثلما أتحدث أنا عن الجزائر . . . رغبت بأن أبصق على وجهه في أكثر من مناسبة ، أن أصفعه و ألقنه درسًا في التاريخ ، و لكنني كنت أحتفظ بنيتي و مشاعري لنفسي ، و أؤجل انتقامي إلى يوم آخر ، في الحقيقة بعد أن تعرفت عليه وجدت أنه أطيب من أن يكون اسرائيليا ، و لكنه يهودي بالنهاية و كل يهودي هو مشروع صهيوني كان أغبى من أن يكون صهيونياً يعيش بشخصية مهزوزة و يردد شعارات يحفظها عن ظهر قلب ، لأنه كلما تفاجأ بسؤال مباغت مني ، لم يجد الإجابة المناسبة له ، لم يكن فريسة صعبة بالنهاية مثلتُ عليه أنني بدأت أتعود عليه في حياتي ، و أنني على وشك أن أغرم به ، و أود لو يعيش معي بشقتي بباريس ، أخبرته أنني سأجد له عملاً مناسبًا ، و سنعيش سعيدين إلى آخر العمر . .

يتبع . . .

 

التوقيع


لقد فهمتُ أخيراً معنى أن تتركَ وطنك لتكون في وطن الغير
الأمر أشبه بأن تترك بيتك و تمكث ضيفاً في بيت آخر
ستدرك أنك مهما مكثت ستظل ضيفاً و لست صاحب البيت !

من رواية " الحب بنكهة جزائرية "

سارة النمس غير متصل   رد مع اقتباس