بعض من عرفت
الجزء الثاني(5)
عُمر صديقي ( ولد التجّـار ):
في زمن ولّى واصبحت اوراقه صفراء يلامسها غبار الزمن , كنا نسكن في حي من الأحياء الشعبيه المتناثره في ارجاء العاصمه .
في الشارع الموازي لشارعنا الصغير , هناك اسرة ميسورة الحال , عرفنا هذا من هندام ابناءهم ومايشتروه مما حرمتنا العسرة منه , اما البيوت فلم يكن هناك فارق كبير فجميعها طينية الملبس متشابهة الملامح , تفرقها المساحة والأثاث , فهذا صغير وذاك كبير ,والمحتوى من اثاث ومأكل متباين بين بيت وآخر .
تلك الاسره من مدينة اخرى من مدن نجد , ربطت بين امهم وامي صداقة جيران وتناغم فكر وتساوي حديث .
في تلك الايام كانت جميع الابواب مشرعه والبساطة والحب عنوان كل دار , لذلك من النادر ان لايكون التواصل بين الجيران معدوم وخاصة بين نساء الحي , فلهنّ القدرة على ربط البيوت ومعرفة بعض اسرارها .
تلك الأسره جميله بكل مقاييس الجار ومايجب ان يكون عليه , لديهم فيما اذكر ثلاثة ابناء وبنتين , جميعهم تتفاوت اعمارهم لكنها لاتتجاوز الخامسة عشره .
ولأن المرء عادة يميل الى من هو في مثل عمره ويتشابه في طباعه , لذلك كان الأوسط قريني , لم اسعى اليه ولم يسعى الي , في مثل تلك الظروف والأوضاع تأتي المعرفة بمفردها تنسج ثياب الصداقه على مهل .
صديقي يقاربني في العمر وشريك دراسه كلانا في الصف الثالث الأبتدائي لكنه ليس في مدرستي .
نقضي اوقات النهارمعا , نجلس طويلا في مرتفع قريب من المسجد مع بعض اقراننا لاحديث محدد بل افكار بسيطه لمن هو في مثل عمرنا .
واحيانا في بيتهم او بيتنا لافرق , وبينما لايوجد لدي أي وسيلة للتسليه يمتلك هو العديد من الألعاب الجميله سيارات متنوعه وقاطره وغيرها , ولازلت اذكر حين جاءني عصر يوم وهويركب دراجة جميله يريني اياها ويدعوني لتجربتها , كانت لعبة بدايتها سعيده ونهايتها جروح وتأنيب وحرمان وتهديد بعدم التكرار , فقد اخذتنا نشوتنا بالمركوب الجديد ان نجرب الشارع العام بعد ان مللنا من سكك الحاره , وكدنا بسبب تلك المغامره ان نفقد حياتنا لولا ستر الله .
سألت امي يوما لماذا ( عمر ) لديه العاب ودراجه وانا لأ ؟
قالت لي اذا نجحت يشتري لك ابوك مثلها , فطويت الموضوع ونسيته .
لم تخلو صداقتنا من بعض المشاكل , فقد دخل صديقي يوما في عراك مع احد ابناء الجيران , ودون ان اسأل عن السبب انتصرت لصديقي ونالني بعض الكدمات واتسخت ثيابي , الأمر الذي جعل امي تنهرني بشده عن مثل هذا , وحين قلت انه صديقي وهم يضربونه ؟ قالت وهل هوسيغسل ثيابك ؟
لم يكن هذا قصدها لكنها لاتريد لي ان ادخل معارك تعلم يقينا اني خاسرها بسبب بنيتي الضعيفه .
الكثير من الأحداث التي جرت مع صديقي لاتزال تحفظها الذاكره واغلبها نتيجة توافق في الميول , فهو هاديء ولو ان به بعض شقاوه , ابن اصل لايمن بعطيّه ولايلوم لخطأ , رغم صغرنا في ذاك الوقت الا اني بعد ان كبرت واشعلت شريط ذكرياتي عنه اجد ان تصرفاتنا يحاكي بعضها من هو اكبر من سنّــا .
وذاك الشبل من تيك الأسد , فوالديه يحبون الناس بلا غايه , واخص والدته بهذا فهي لاتسأل عن ابنها وتطمأن عليه متى علمت انه في بيتنا
بل اننا احيانا ننام في بيوت بعضنا ولم اكن افرق بين امي وامه .
والدته سيدة حنون ناصحة باستمرار اضافة الى حسن لاتخطئه العين , لم اشعر يوما انهم اغنياء في عرف تلك الايام رغم ماأراه من مظاهر الغنى ومقارنته بين محتوانا ومحتواهم , وبالمجمل تلك الايام لها رائحة الثقه والبراءه والطيبه .
وكالعاده دامت صداقتنا طوال سكنانا في ذلك الحي , وحتى بعد ان غادرناه لم انساهم وكنت ازعج امي بطلب زيارتهم فكانت تستجيب يوما وتمانع شهرا , ومرة جربت ان ازورهم وحدي , معتمدا على ماعلق بذهني من علامات بالشارع , وتحرك موكبي قرابة وقت المغرب , وفي منتصف الطريق اذا بالشمس تعلن الأنسحاب تاركة لمدينتي بدايات ستار الظلام , فتملّكني رعب وعندها احسست بعظم خطأي وقررت الاياب قبل الضياع , وشيئا فشيئا وعلى مهل كنت امام بيتنا فحمدت الله مقررا التوبه , وارتحت ان امي لم تشعر بقرار الهزيمه , بمرور الوقت اندمجت مع اصدقاء جدد في حي جديد .
التقيكم مع صديقي المزعج دوما