رأي خاصّ .. ربما !
في رأيي أنّ محمود درويش كان عميقًا ، وصادقًا مع تجربته ، حين أشار إلى أنّه اتجه إلى البساطة بعد التعقيد ، ليصافح بشعره الناس ، لأنه لايمكن أن يفعل ذلك لو أنّه آمن بالشعر الأدونيسي . لكن الشيء الذي ينبغي التأكيد عليه هنا هو أنّ البساطة التي تأتي بعد قفز حواجز الغموض و تجاوز هذه التجربة بنجاح هي البساطة العميقة ، وهو ما نقرؤه في كثير من شعر درويش و ومضاته الساحرة /الشاعرة ، خلافًا لتلك البساطة التي تلتقي الشاعر عند العتبة الأولى في تجربته ، فتلك ليست بساطة بالمعنى الفني العميق ، وقديمًا ذكر عبد القاهر الجرجاني أنّ الوضوح الناتج عن الغوص في المعاني وتقريب الأبعد منها - كما يفعل البحتري مثلا - ليس هو الكلام السطحي المباشر الذي لا غور له و لا عمق ، والكلام نفسه يقال حول اختيار الإيقاع الشكلي للنصّ الشعري ، إذ لا يستطيع أي شاعر مبتدئ أن يكون متجاوزا في شعر التفعيلة ما لم يمرّ بتجربة خليليّة ناجحة في موسقة الشعر و دوزنته ، معنى هذا أنّ أيّ شاعر يكتب شعر التفعيلة في بداية التجربة قبل أن يخوض غمار الشعر العمودي فهو أشبه بمن "يتعلّم" قيادة السيارة على "النظام الإمريكي الأتوماتيكي" ، إذ حين تدعوه الحاجة إلى قيادة السيارة اليابانيّة " التقليديّة " فإنّه " يتورّط " بين " الدركسون" و " الفرملة " و " الكلتش" و " دوّاسة البنزين " !
*
*
دكتوري وأستاذي الجميل : سعود الصاعدي