منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - عباءة المؤذن
الموضوع: عباءة المؤذن
عرض مشاركة واحدة
قديم 10-28-2011, 02:48 PM   #1
عبدالعزيز المجلاد
( كاتب )

افتراضي عباءة المؤذن


بعد حمى الانتخابات وضوضاءها قررت أن أتوقف
رغم أن كل ما فيها كان محفزاً للكتابة بكافة ألونها وأشكالها
ساخرة كانت ام فاخرة
فالمواقف والحكايات لو أدرجناها
لربما أصبحت من ضمن حكايات ألف ليلة وليلة
ناهيك على أن هذه العرعر لوحدها حكاية !!
بقدر ما أرتفعت أسهم بقدر ما هبطت أسهم أخرى
تركناها ومضينا قدماً
وقررنا اللاعودة
إلا أن هذا الشيخ الوقور هو من أعادني من جديد للهرولة
والعبث في عالم الحرف
تذكرته فانهمرت الحروووف



السيدات والسادة
.
.


في عرعر ثلاثة مؤذنين أبت ذاكرتي أن تنساهم
كلهم رحلوا وعلى فترات متباعدة
وكم كنت أتمنى أن يرزقنا الله في مسجدنا على مثل شاكلتهم
ولكنها الرياح !!!
دائماً ما تجري على ما لا تشتهي سفن أمانينا
.
.


في العام 1403 من الهجره
كان ذلك الصغير القادم من القرية يدرس في الصف السادس الإبتدائي
وهو كمثل أقرانه من أطفال القرى
كان على الفطرة ، لم يكتسب خبث ومكر المدينة
للكلمة وقع كبير في نفسه
كيف بها وقد كانت من معلم !!
في وقت كان للمعلم احترامه وتقديره وهيبته وسطوته وجبروته
كنا منصتين لمعلم الحديث وهو يشرح ويبين لنا أهمية الصلاة
وعن الآذان وعن قرآن الفجر
يقول معلمنا غفر الله له حياً و ميتاً :
من يسمع الآذان ولم يجب النداء سيصب في أذنيه النحاس المذاب
يا للهول !!
كلمات كان وقعها كالرصاص
كيف لهذا الصغير أن تتحمل أذنيه مثل هذا العذاب
وكيف بنفسه ان تتحمل هذا المشهد
ومن يومها لزم المسجد وداوم عليه
وأصبح من ضمن كتيبة حمامه الأبيض
كان فجر الشتاء هو الاختبار الحقيقي لهذا الطفل الصغير
وكان صوت المؤذن الشيخ ( علي العجران ) هو الدافع وهو المحفز وهو الوقود
كان في الموعد دائماً لم يكن ليتغيب أو يتأخر
كنت أرى الخشوع ينبثق من خلال صوته
كنت أرى الطهر في عينيه
كنت أرى السماحة في وجهه
بل كنت أرى فيه كل الرضا
.
.


و في ليلة شاتية باردة ، عزفت من خلالها الرياح ألواناً شتى من
الأهازيج في شبابيك بيتنا القديم
مابين صفير ووحيف
وكأنها تلاطف الليل وتسامر النجوم
استيقظت على صوته الجهوري الأجش الذي
أخترق به فضاء مدينتنا الحالمة
الصلاااة خير من النوم
نعم ياعبدالعزيز
الصلاة خير من النوم
فلذة النوم ورائها نحاس مذاب
لن تستطيع عليه صبرا !!
خرج هذا الصغير رغم قسوة البرد وشدة الرياح
وعلى الرغم من خطر البعد
ونباح الكلاب الضالة التي كانت تسرح في حوارينا
وصلت المسجد فكان الانتظار
الى حيث إقامة الصلااااة وقدوم الإمام
فجأة وأنا أُغالب النعاس
إلا وعباءة هطلت عليْ من أعلى ولحفتني
شعرت من خلالها بدفء الحيااااة
إنها عباءة الشيخ علي .. مؤذن مسجد حينا القديم
نزعها من فوق متنه وقاام متثاقلاً يجر خطاه بكل إنسانيته
بقدمين أثقلتهم عوامل الحياة
ولحفها هذا الطفل الصغير
هي لم تحميه من البرد فقط
بل كانت له درعاً ومصلاً ونبراساً ودرساً من خلاله تعلم
كيف يشعر الإنسان بأخيه الإنسان
تعلم كيف هي الرحمة وكيف هي القدوة
وكيف هو الإحساس وكيف هو المثل الصالح
كان حينها الشيخ الوقور قد تعدى السبعينات من عمره
رحل الشيخ علي بعدها بسنوات
ودوى خلفه الفراغ وانكسرت خواطرنا
كزجاجة الفقدان المر
وتوزعنا في متاهات الحياة وأقاصي الدروب
رحل وفقدنا صوتاً كان ينطق بالطهر
صوتاً كان يجلجل في الفضاء ويصافح السماء
رحل ولم يبق خلفه سوى :
مجلسة ـ مركاه ـ عصاه ـ والمحراااااب


أين أنت يا شيخنا
لترى وتسمع من القصص ما يشيب لها الوالدان


ارحل
فهذا الزمن
لا يستحقك ..


انتهى



كتبه لكم محبكم /
عبدالعزيز بن مهدي المجلاد
1 / 12 / 1432 هـ



.

 

التوقيع

هناك أموات ولكنهم أحياء
وهناك أحياء ولكنهم أموات
هي القلوب :
كم سكن فيها من الطيبين
فأصبحت لهم وطن
وكم غادرها سريعا من لا يستحق أن يبقى فيها
لا أحتاج لإظهار البينة
تتبعوا السِيَرْ
ففيها ما لذ وطاب
فيها البرهان
وفيها الدليل
وفيها الإثبات
Abdulaziz mahdi almejlad
هنا في تويتر
almglad5115@

عبدالعزيز المجلاد غير متصل   رد مع اقتباس