منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - بوابة الخلاص
الموضوع: بوابة الخلاص
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-17-2011, 07:18 PM   #1
زهرة برياح
( شاعرة وكاتبة )

الصورة الرمزية زهرة برياح

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 0

زهرة برياح سوف تصبح مشهورا في وقت قريب بما فيه الكفايةزهرة برياح سوف تصبح مشهورا في وقت قريب بما فيه الكفاية

افتراضي بوابة الخلاص


عشرات من علامات الاستفهام ؟ ؟ لا أحد من أهل الحي الشعبي يعرف بالضبط ما الذي حدث للفتاة نصيرة ؟ و أين كانت طول النهار ؟ و ربما لن يصلوا لأي جواب و الى أن تقوم القيامة ، و أن كان كل منهم يشعر شعورا خفيا بأنه شارك في هذه النهاية المأساوية .

انتفضت واقفة و هي لا تزال ما بين اليقظة و النوم ،على صرخات شقيقها و صوت أمها يلعن الدنيا و بحركة عصبية أخرجت الام ثديها من أحد شقوق الثوب الرث و دسته في فم رضيعها .
يعود الصمت مرة آخرى يخيم علــــــــى المكان ، لا يخدشه سوى شخير الأب المتقطع و أنفاس الصغيرات المتلاحقة اللاتي لا زلن يغططن في نومهن فوق أرض الحجرة الرطبة .
فركت نصيرة عينيها عدة مرات على بصيص الضوء الخافت الذي بدأ ينفذ من عقب الباب ، تلمست طريقها الـــــــــــى حيث الطاولة العرجاء التي تشغل حيزا من الغرفة الضيقة ، و تستخدمها الأسرة كمطبخ ، ما فوق الطاولة تناولت الصحن الوحيد . . على أطراف أصابعها خطت نحو الباب و هي تتحسس النقود بجيب سترتها .

حين انفتح الباب أحدث صريرا عاليا ، انطلقت تقفز هنا وهناك بمرح
و بهجة كسجينة أنعشتها نسمات الحرية المقبلـــة ، فأخذت تعب منها عبا ملأت رئتيها بالهواء النقي . . توقفت لتصلح ضفيرتيها ، تطلعت الـــــى الصبيات اللاتي يماثلنهــــا في العمر في زيهن الجميل و هن يحملن حقائبهن المليئة بالدفاتر ،أقبلن عليهــــــــــا ،ألقت عليهن تحيـــــــة الصباح ، تضاحكت إحدهن ،فمنذ سنة فقط كانت واحدة منهن لكنه المرض و الفاقة . . و آه من المرض و الفاقــــة عندما يجتمعان ، فقد أنهك المرض أباها و أقعده عن العمل ، فخرجت أمها لتخدم فــــي البيوت و تفرغت هي لشؤون البيت و رعاية الأب المريض غير أنها لم تقطع صلتها يوما بالدراسة ، فقد اتفقت و عائشة زميلتها السابقة ان تعطيها ما تستغني عنه من كتب لتستذكر فيه ،فهـــي تعرف أنه لا خلا ص لهم مما هم فيه إلا بمزيد من التحصيل و المعرفة .


و في هذا الصباح و قبل أن تغادر أمها الدار كانت قد طلبت منها أن تذهب الى السوق و تبتاع لهم شروة من البطاطا و الطماطم و أحكمت نصيرة قبضتها على النقود و حملت السلة في اليد الآخرى بمرح طفولي، أخدت طريقها الى السوق منذ مدة طويلة، لا تدري منذ متى بالضبط ؟ و ها قد آن الآوان و سيمكنها أن تحصل من البائع علــــى بعض الحلوى مقابل بعض الدنانير التي استطاعت أن توفرها من وراء أمها و ستأكلها هذه المرة لوحدها و بمفردها، فلن تقبل القسمة مع أحد.

حيــــــن لاح الباب الحديدي الضخم، أسرعت الخطى، أصبحت في قلب السوق أخدت تجوب الممرات الضيقة علــــــى مهل، وجدتها اليوم أكثر اتساعا
و السوق يسبح في هدوءلم تعتده من قبل و معظم المحلات مغلقة الابواب و القليل منها و الذي فتح لم يفرش بعد بضاعته بالخارج، تنبهت الى أنه جاءت مبكرة قبل الأوان.
فقفلت عائدة من حيث أتت، قبل أن تصل الــــــى الباب الخارجي للسوق سمعت صوتا يناذي: " يا شاطرة، ياشاطرة. . "
تلفتت في كل الاتجاهات لــــم يكن هناك سواها، تيقنت أن صاحب الصوت يقصدهــــا هي، ذهبت الى حيث يقف بباب أحد المحلات، سألها عما تريد فأخبرته. . فأجابهابأن طلبها بالداخل، أعطته القطع النقدية، تبعته الى الداخل، و قفت تقلب البطاطا بيد مدربة، وتنتظر الى جميع المعروضات من الخضروات.

بغتة و بدون مقدمات، شعرت كما لو كان سقف الدكان قد انهار على جسدها النحيل، فتكسرت عظامها و شلت حركتها و قبل ان تفيق من الصدمة، و قبل ان تستغيث طالبة النجدة كان شيء ثقيل قد أطبق على شفتيها، فأخرس لسانها و كتم أنفاسها، تمدد الزمن، إتسعت اللحظات لتشمل سنوات عمرها الخمسة عشرة
سنة، تجسدت أمامها كل المعاني: الشرف، الفضيحة، العار، اختلطت الصور، اختفت الالوان لم يبق منها سوى الاسود الباهت. .

امتلأت الشاشة بصورة أبيها الذي جاء يوما الى المدينة آتيا من الريف من أجل لقمة العيش و لا تزال كلمات جدتها ترن في أذنها البنت لا يسترها غير الزواج
أو الموت، هو الموت إذن.

توقفت تسترد أنفاسها و هي تلهج ككلب ضال مطارد و العرق يتصبب بغزارة من كل قطعة من جسدها ، هي لا تعي ماذا حدث و لا تعرف كيف أفلتت من قبضة ذلك الرجل الحقير .
شعرت بمرارة في حلقها، و ألام في كل جسدها، فكرت في العودة الى البيت لكنها فقدت المال و لم تشتري شيئا من الطلبات أمها ، ترى لو أخبرت والدتها بما حصل فهل ستعفو عنها، هل ستسعدها و قد نجت من هذا المجرم لكن ماذا لو أخبرت أباها بالموضوع سيقتلها حتما .

اقتربت خطواتها من الدار، تسحبت و في حذر شديد، و دون أن يراها أحد، صعدت الى السطح، هناك بعض المخلفات اتخدت لها مخبأ، تكومت على نفسها في أسى و الاحداث تتداعى أمامها، كما لو كانت كابوسا لا ينتهي فهي لحد اللحظة لم تستطع أن تستوعب ما جرى لها. . اجهشت بالبكاء، شعرت ببعض الراحة.

ماهي الا لحظات و بدأت الشمس تنحذر الى المغيب و لم تكن ترى كم من ساعة قضتها في ذلك المخبأ و هل سألوا عنها في الدار أم لا.
فجأة أطبق الصمت كصمت الموتى و أطفأت جميع الانوار ليعم ظلام دامس، انتابها فزع لا قبل لها به ،حاصرتها اشباح مخيلتها ، استبد بها اليأس و أصابها مس من الجنون في لحظة ، ندت عنها صرخة مدوية أيقظت النائمين أعقبها صوت ارتطام بأسفل البيت و عمت الفوضى في الحي لمعرفة الفاجعة و كان النداء ......

في الظلام . .
هنا في شوارع المدينة
أهمس وحدي . .
ليس غيرك
من تحتويني إن كنت طفلا
تصعلكت . . أوجعت . . أو بكيت
أو صرت أصفر كالغمام
في عيونك طعم النبيذ
الذي في الأحلام
أيتها المؤمنة بحبي
افتحي لجحيمي النوافير
لا تقتليني ..
همي إلي
هذا لهثك خلف جراحك
أنا أضع الحلم
و أنت تبيعين دماء الجراح
أنت . .
من تحتويني إذا غضب الحر
أو حام الليل ..انظري إلي ..
متي سيجيء غذي
كيف أجمع صفصاف هذه السواقي
و رمل الجزيرة
كيف أدوي الحنين
أخاف إذا مت تبقين دائما راكعة
كالزمان العاشق في آخر الليل
لا تقولي . . هوى و مات
أنت وحدك من يعرف السر
و الميتون يعيشون خلف الأحلام
لا تقولي :
انتحرنا
بل أشعلي نارك الموقدة
هناك في الظلام . .
نداء. .

* من المجموعة القصصية في زجاجة عطرك

 

زهرة برياح غير متصل   رد مع اقتباس