..
9 -
القاعة مدهشة بأرضيتها الرخامية ، بجدرانها عدة مستطيلات متتالية ذات مرايا
ورخام معتق بفخامة التصميم،
و وجهك وحده نقوشها رغبت في بصقك وصفعك في آنٍ واحد ، شعرت لأول مرة
أنني أكرهك بشدة.. كيف تسخر مني؟ كيف تتوهج أمامي وتشطرني إلى نصفين،
نصف يريد أن يتخلص من سخرية هذه الليلة على عجلٍ.. والنصف الآخر يريد أن
يطير، وكلما أطأطأ رأسي في الأرضية الرخامية ومن الأضواء المنعكسة من
ألماسات وعدسات الحاضرات.. وكأنها توثقك عنادا ، أجدك تتربّص بي بحماقة
رجل غامض يريد أن ينهي صفقته هذه الليلة بربح فائض ،
وقفت انتظر دوري بإلقاء التهاني والخلاص من هذه الليلة ومن قناعي،
أجدني فاتنة بعينين أم العروس والبهجة مرسومة عليها.. ويغيظني تساؤل أردده
كلما وجدتني في مرآة بشعري الطويل الحالك.. وبوجهٍ صغير جميل بتفاصيله
ودقيق بملامحه، بعينين سوداء وأنف مرتفع طويل وابتسامة جل من يراها لا يتكدر
وبشرة قمحية فاتنة:
- ماذا كان ينقصني لترحل؟
الفرحة تغمر أخواتها وأنا تصفعني الصدمات يتلوها همي الكبير .. أنت وفقط ،
مددت يدي لمصافحة أمه دون النظر إليها مباشرة فالدمع كلما تراكم حول رموشي
تلتقطه شفتي، إلى هذه اللحظة أبدو متماسكة ، بلا دموع وبابتسامة، فالكحل لا
يسيل فالمصففة أحكمت صنعها بالمثبت الذي رششته على وجهي وكنت أتساءل:
"لمَ يا فهد تزينني بليلة زواجك ولن أكون عروستك التي تُزين دارك" .
وددت صفعها هي الأخرى كم أكره هذه العجوز التي أقفُ أمامها هي وابنتها كيف
سحقتا حلمينا؟ بي ألف سؤال وعتب لهما يتضاعف بؤسا وحمقا.. وربما حقدا،
لمَ أحالين القدر برشقي باليأس والبعد المرير، وكيف رسمن السراب سعادة في
درب فهد؟
تُشير أمي بأن الطاولة الأولى هي لأهل العريس وبالجانب الآخر لأهل العروس..
كم يطعنني أن أكون من ضمن قائمة أهل العريس، هو ابن عمي هو في عروقي
وفي قلبي ..
خطوت بخطواتٍ مرهقة نحو الكرسي والطاولة، حاولت أن ابتعد قليلا أن أصعد
الطاولة وأصرخ بأنني لست ابنة عمه لا أقارب لي بهذه القاعة ، هؤلاء.. لا صلة
قرابة لي بهم..
وقفت طويلا أمام الطاولة الذهبية..انظر إلى الورد الأحمر والأبيض هم أرادوا ذلك
أن أراها عن كثب، كتبوا لي أن أبكي أمامهم أن يشهدون على وفاتي، تعمدوا
صدمتي دون الاكتراث لمشاعري، بل أنت من أردت أن أقتبس من نار المكان
ليحرقني وأتراقص به ألماً ويزداد بي عبثا بملامحي وجسدي المتهالك، لألفظك
عند أقدامك أو ألفظ أنفاسي وأدفن في مدينة نائية. كما رغبوا بذلك وأردتَ أنت!
..