منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - " شكرا أيها الأعداء" سيرة السلوك
عرض مشاركة واحدة
قديم 07-10-2010, 04:16 AM   #1
عبد الله العُتَيِّق
( كاتب )

الصورة الرمزية عبد الله العُتَيِّق

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 17

عبد الله العُتَيِّق غير متواجد حاليا

افتراضي " شكرا أيها الأعداء" سيرة السلوك


لا توجد حياة مثالية
روبن شارما

قضيت وقتا ممتعاً مع كتاب الدكتور: سلمان العودة. " شكرا أيها الأعداء"، و اقتبستُ منه جميل الدرر و الحكم، و جميل الكلمات، وهي أعتبرها شيئا ثانويا، حيث أن الأساس المُقتبَس في هذا الكتاب الجميل تلك السلوكيات التي حكاها المؤلف في تعاملاته مع خصومه في الرأي و الموقف. فالكتاب ليس مجرد مقالات كتبت هنا و هناك، و ليس مجرد أحرف تحمل معنى راقيا، بل هو أبعد من ذلك كثيراً، إنه سيرة سلوك، و حياة أخلاق.
كلٌّ يكتبُ عن نفسه شيئا من حياته، وما جرى فيها من البدءِ حتى حين الكتابة، وهذا شيء محمود، فهو يحفظ لنا تواريخ الناس، و كل إنسان له تاريخه المهم في حياته و زمنه، لكن أن تكون الكتابة عن السيرة الذاتية للسلوك الشخصي، و عن الأخلاق في التعامل مع الناس شيءٌ يجعل القاريء واقفاً بعلامة من التعجب، و يكون الحال أشد عندما تكون الكتابة عن الخصوم، و بلغة الشكر لهم.
الكتاب لا يحكي سيرة سلوك الدكتور سلمان العودة فحسْب، بل يحكي سلوك كل الكبار الذين لم ينزلوا إلى أرض الخصومة، و الذين يعتبرون الكلَّ هم أنفسهم، يحكي سيرة الأنبياء العظماء، و سيرة الفلاسفة الحكماء، و سيرة الرجال الذين صنعوا آثارهم بترك ثأرهم ممن أخطأ عليهم. تلك السيرة لأولئك لأنهم أوقفوا همتهم على شيءٍ كبير يسعون لبلوغه، فلا يملكون الوقت لأن يقفوا عند كل خصومة. بل يبتسمون ليكملوا السير، فالغضبُ عطبُ، و الصفحُ منحٌ ، و الابتسامة قامة ، و العبوسُ نكوسُ.
طبيعةٌ بشرية، و سنة كونية، الخطأ وارد، و هو الأصل في الإنسان، و الخصومة سلوكٌ مغروز، فإما أن نقف عند كل خصومة لنثبت أننا لسنا كما قيل، أو أن نحلل الحال و نبين المراد، و إما أن ننظرَ بنظرة حُبٍّ و أُلفةٍ و نكمل المسير بعين اليقين؟. إن منازعة الطبيعة لتكون عكسَ ما هي عليه من الخطأ الضخم، و الغلط الكبير، و تلك المنازعة محسومة النتيجة، فهي فاشلة، فالحياةُ تسير دون أن تنظر لأحد وما يُبديه، لذلك فالحكيم العاقل من يُسايرها لا من يُكاسرها.
رسم المؤلف في كتابه أسرار تلك السلوكيات الجميلة في التواصل مع الخصوم، و الذين يُسمَّونَ بالأعداء، و ليس في الحقيقة هناك عدوُّ، لأن العدوَّ من لا ينفعك بشيءٍ، و كل الناس تحمل لبعضها نفعاً، و لكن مَن يُدرك هذا النفع منها لنا. ووضع القواعد في التعامل عند الاختلاف، و أبان حقيقة المقاصد الكبرى في حياة الإنسان في دينه و دنياه، فهو أتى على كثيرٍ من أبواب الحياة التي يَمسُّها غالباً داءُ الخصومة. الداءُ الذي يحمل في طيَّاتها عقاقير الشفاء، فهو من العلل الكبرى التي من أجلها كان الخلقُ مخلوقين، حيث تتم المعارف و تنمو الثقافات. و لولا الاختلافات، ووقوع الخصومة بالاعتراض و النقد ما كان هناك رأياً ثانياً، و لا انبثق من الرأيين المتعارضين رأيٌ يجمع. و تلك أسرار الثقافات.
من يريد حياته بلا خصومة كمن يطلب في الماءِ ناراً، و يبحث في البر عن سمك، لذلك فهو متعبٌ نفسَه، و مُجهداً ذاته في غير شيء، فلا يظفر بمراده، و لا انتفع باجتهاده، لهذا ليس عليه إلا أن يتقبَّل الخصومة بصدر رحْبٍ، و أن يغتنمها في مصالحه، فالعاقل الذي يطمح إلى كمالٍ هو من يجعل ما هو ضده معه، و يستخدمه في مصلحته، بقدر ما يُمكنه، و هكذا فعل المؤلف، فقد شكر الأعداء حين وقوع الخصومة، و من ثَمَّ شكرهم في كتابه هذا، و نحن نشكرهم أيضاً لأنهم جعلوه يُثرينا بسيرته السلوكية مع الخصوم، و الأهم من ذلك أنه نثر قواعد التعامل و أدبه معهم، و نشكره أيضاً لأدبه الراقي في ذلك، و أيضاً لأنه قدم لنا هدية لاقتْ رواجاً عند الكثيرين، و لا يروجُ إلا ما كان مفيداً ينفع الناس، و يذهب الزبدُ السلوكيُ جفاء. شكراً أيها السلمان على هذه النادرة السلوكية.
http://alotaig.com/?p=182

 

التوقيع

twitter: ALOTAIG


التعديل الأخير تم بواسطة عبد الله العُتَيِّق ; 07-10-2010 الساعة 04:41 AM.

عبد الله العُتَيِّق غير متصل   رد مع اقتباس