[2]
يوم أن تعرفت إليه كان مقرراً أن أتنقل و زملائي بين الأقسام كلها لمعرفة طبيعة العمل فيها ، و كان أن بدأت دورتي تلك بالعناية المركزة و عينتُ بمعية ممرضة خاصةٍ بخالد ! هذا الرجل الذي ترك أثراً كبيراً في نفسي لا لشيء سوى أنني علمت حقاً لم سمي هذا الداء تحديدا بالخبيث .. حدث مرة أن أفاق خالد محاولاً الصراخ و لكنه ابتلع صرخته ، لم يمنحه التعب الشديد فرصة للصراخ ، أنهك كل شيء فيه حتى حنجرته فاكتفى بأن فتح عينيه عن آخرها تعبيراً عن عمق الألم .. شيء غريب دفعني نحوه أنا التي لم أكن لأشارك بقية الممرضين و الممرضات حين تغسيله و تقليبه ، أخذت يده بين يديّ ، كانت ضخمة بما يكفي لأستطيع تحريكها قليلاً ، وما إن فعلت ذلك حتى أعاد فتح عينيه بشدة ، حدثته : خالد ما الذي يؤلمك .؟! يدك .؟! أهنا يؤلمك .. هز رأسه ايجاباً ثم غاب عن وعيه من جديد .. يا الله ! كنت أذكره كثيراً عند إخوتي و أمي حتى أنني بدأت أحلم به ، أحلم و كأنني أنا الآن أعتني به ثم فجأة تتلخبط الأجهزة الموصولة بأجزاء جسده ، فيبدأُ يموت .. أصحو بخوف شديد لأجد أن الأمر مجرد حلم ..
صحته كانت تتدهور يوماً بعد يوم ، كان يخيفني أن أذهب يوماً لأجد أنه قد فارق الحياة .. أعلم أنه ميت لا محالة و لكنني ما فتئْت أدعو له بالرحمة .. لم أكن أرى من أقاربه سوى قليلين جداً إذ أنني لا أتواجد هناك إلا في الفترة الصباحية ، كنت أتمنى أن أرى أمه التي أخبرتني الممرضة بأنها على قيد الحياة .. انتهت فترة التدريب هناك ، فغادرت غرفة العناية المركزة تاركة خلفي خالد ، جسدا لا يزال يحتضر ببطئ و يموت ألما في اليوم مرات و مرات .. لم أنس خالد ، بقيت على عهدي به أدعو له و أصلي من أجله ، و لكم تمنيت أن أهاتف قسم العناية المركزة لأسأل عن حال خالد و لكنني لم أكن لأجرؤ على ذلك ، كنت أخشى أن ينعى إليَّ .. و مع مرور الأيام أبى الله إلاّ أن أَعْلمَ بأن خالد لم يعد سوى شيئ مذكور فيما مضى .. حدث ذلك في أحد الصباحات يوم أن تناولت الصحيفة أقرأها ، و حال وصولي الصفحة الأخيرة و قراءتي للعمود الذي تنعى فيه الوفيات اكتشفت بأن خالدا قد اتخذ مكاناً بينهم بأمر الله .. فرت دمعة من عيني على عجل فدعوت له بالرحمة و ما إن أخبرت أمي بالخبر انهرتُ باكية .. كان ذلك تمهيدا لأن أعلم كيف ماتت ابنة عمتي تصارع المرض نفسه بعيداً عنـا حتى توفاها الله ..
_ تمت _
- الخميس -
- 3 يونيو 2010 -