منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - احتماء .... بالضوء !
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-23-2010, 02:53 PM   #2
سحر الناجي
( كاتبة وإعلامية )

الصورة الرمزية سحر الناجي

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 16

سحر الناجي غير متواجد حاليا

افتراضي





نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


* قال لي القمر ..

همس كندى يقطر في دهاليزذاكرتي وينعش ما استظل في ركن سحيق من قلبي وتوارى , لوعتي تطل بوجه مكفهر حين تلامس المعاني حواسي وتتراخى على وجودي مستتبة ..كنت أمسك بتلابيب كتاب ترامت على صفحاته سطور مؤججة بالعذاب .. قصائد تروي معاناة الذين رحلوا فخلفوا أطياف ظامئة لحكايات تنهيها السعادة .. أبيات تنهش وجه النسيان إذا ما لاح على نواصي الزمن وترسخت أوتاده..
كادت أصابعي أن ترتجف حين انزلق الكتاب من يدي , فانتشلته من مغبة التمزق ورفعته إلى حيث كان متسمرآ قبالة احداقي .. أدركت أني أنزف دموعا لجمال شعر تهادى بالبكاء , لمست بأصابعي قطرات لزجة هطلت دون إدراك مني .. رجل يرثي محبوبته ويهيم في الطرقات حزينا وقد ضاقت عليه الدنيا بما رحبت ..
حين تكاثفت الأطياف في حضرتي كغمام ازدحم بالضجيج وجاءني وجهك يمشي على استحياء ويلتصق بمخيلتي , وضعت الكتاب جانبآ وتجرعت رشفات من الماء الذي لم يقدر على إزالة الجفاف من حلقي .. تسربت بلا إداراك إلى الخارج .. حيث العتمة كانت تجول بصمتها أنحاء المدينة .. تتلثم بالسواد وتنسل بين الدروب مهيمنة .. وعند الركن المنزوي في المكان أخذت أحدق في السماء .. كانت النجوم تظهر لي واهنة من بين أوراق الشجر .. وفي الناحية الأخرى في كبد السماء وقف القمر كسيد على حواف المدى ينظر إلى الكواكب بخيلاء .. رمقته مليآ ونكست طرفي أزلق برأسي إلى الأرض .. سمعت بعد وقت صوت يبارزني بالجدل .. هكذا توهمت وأنا أرفع بصري من جديد إلى ذلك المتباهي على عرش الأفق .. تخيلته ينظر إلي ويشاكسني .. وأسرفت في الخيال حتى سمعته يقول :
- ما شأنكِ والحزن هذه الليلة ؟
قلت : هي حكاية أثّرَت بي وتركت في نفسي ما تركت ..
قال : وكأني بكِ غير مصدقة ..!
قلت : أجل .. الحب العذري العفيف .. مجرد أسطورة لا وجود لها في هذا الزمان ..
قال : وما وجه الإستحالة لديكِ ؟
قلت : هل تصدق أن هناك رجلآ يهيم في الأرض بلا رشد من أجل إمرأة ؟
قال : ولما لا .. الأرض مكانا خصبآ لحكايات كهذه ..
قلت : ولكن .. أن يقفد صوابه إلى هذا الحد من التيه والضياع ؟
قال : أخبريني أنتِ عن قصتكِ ..
قلت : فارس هو .. أحب امرأة .. وملكت عليه جوانحه .. ومع ذلك .. كان يتعمد أن يقسو عليها .. ويضع بينها وبينه غروره كي لا يجعلها تشعل شموع الأحلام .. وحين تعلقت به .. غاب عنها .. وتركها تتخبط في حيرة .. والأدهى .. أنه أراد الزواج بها .. ثم تراجع .. وابتعد .. واختار أن يكون العذاب رفيقه .. فهام على وجهه .. لا يعلم أي الدروب يسلك .. هل تصدق ما فعله هذا الرجل ؟
قال : ربما .. أجل , فالنفس البشرية عجيبة تنضح بالعجائب .. ولعل للرجل ما أثناه عن خطوته ..
قلت بغضب : فليكن .. ولكن لا يترك تلك المرأة حائرة حزينة لا تعلم عنه شيئآ .. وطالما لديه المبرر المعقول .. لماذا تمادى من الأساس وراح يطاردها بعشقه المزعوم ..؟
ضحك القمر وقال : كنت أخالك مشفقة عليه .. وإذا بك حانقة ..
قلت : أجل .. كنت متأثرة بالحكاية .. ولكن ما فعله لا يغتفر .. إنه رجل غريب ..
قال بحنو : هوني عليكِ .. ماهي إلا حكاية فقط ..
قلت أوافقه : صدقت .. هي حكاية ملوثة بالغموض ..ولكنها صاخبة بالحزن ..
صمت القمر وأومأ مليآ يفكر .. ولا ينبس ببنت شفة , مضى وقت لا أعيه وهو على هذا الحال , وفجأة وثبت النجمة الحمراء إلى جانبه تحاول أن تخرجه عن صمته .. تقافزت وهي تدندن بكلمات خافتة عن الكون الرحيب .. والاضواء التي تأتي مشرقة من أندروميدا .. علا ضجيجها .. والقمر لا يبدي أي اهتمام .. وحين وجدته لا يلتفت إليها .. أشارت خفية للنجمة الزرقاء بأن توافيها .. دنت النجمة البعيدة متثائبة .. قالت بفضول : ما الأمر .. ماذا تريدين ؟
الحمراء هامسة : إنه القمر .. أنظري اليه حزين .. كئيب .. ولا يبالي بالفرح .. وقد سألته عما يهمه .. فلم يجب ..
همست الزرقاء : هل ترين ذلك الوجه الساهد في باحته على كوكب الأرض ؟
- أجل .. مابه ؟
- سمعت البدر يتحدث إليه قبل قليل , ثم لاذ كل منهما لصمت مطبق ..
- إذن لندعهما وشأنهما .. تعالي لنذهب ونعبث قليلا مع الشمس ..
وما هي إلا هنيهة فقط حتى مر سرب من الغيوم وحاصر البدر بالحجاب , فغاب القمر .. وعم السماء الظلام ..
لذا عدتُ أدراجي إلى حجرتي ذاهلة .. أبتسم لجُمح خيالي .. وأمنيَ نفسي بغفوة كانت قبل ساعات قد استعصت على الحضور والمكث ..

تحيتي

 

سحر الناجي غير متصل   رد مع اقتباس