علّمني أبي أن العنصر الأخلاقي لا يولد مفصلا على الموقف الإنساني ؛ بل يصنعه الموقف، ويعطيه القياس الملائم ليكون لائقاً به..ومن هنا فإن كثيرا من المواقف تتطلب اجتماع أكثر من عنصر أخلاقي ليكون دورها رائداً في إقرار شيء من قوانين الحياة الفطرية.
وقال لي أبي: "ليس للأخلاق نسبة حقيقية يبرمها الإنسان في حيز الثوابت القطعية ، فإن ما يقبله طبعٌ ما لخلق الصدق مثلا يرفضه طبع آخر لأن الصدق في بعض الأحيان جريمة..ولا يحل محله إلا نقيضه وهو الكذب، ومع ذلك فإن ما حل محل الصدق لاقتضاء مصلحة ما لا يطلق عليه إلا صدق ناب عن صدق.
فاحرص يا ولدي على تفطن الخلق قبل إيراده، وعلى منطق موضع الخلق قبل الغشامة في فرضه، وتفطنْ لبدائل الخلق المقترحة لتكون في مصبه جارية، وفي دربه سائرة..."..
وقال لي أبي كثيراً، وما زالت جلساتي معه أرقى بكثير من خلوة فيلسوف أو مصلح اصطفى لعلمه خير من يعلم من سابقي تلاميذه....طيب الله أنفاسك يا أبي.