..
سأبتعد - نهائيًا أو مؤقتـًا - عن البنيوية و نظرية موت المؤلف و ما بعد البنيوية .... إلخ .
أتعلمون لماذا ؟ لأنها مزعجة - فعلا ً - مزعجة للقارئ الذي يريد أن يفهم ما حوله ببساطة , يريد أن يفهم بلغته التي أعتادها , يريد أن يفهم بلا تعقيد .
مزعجة لأنها أُسقطت في غير محلها حينًا بسوء استخدام طيّب النية و حينًا بتعمّد سيء ... لذلك كان طرحك يا زايد جميلا جدًا رغم بساطته .
أعود للسؤال / الموضوع :
متى نقرأ القصيدة بعيدا عن شاعرها...؟!
الجواب : ما سأقوله عن الشعر ينطبق على غيره من الفنون الأدبية و الطرح الفكري .
و سأبدأ بسؤال جديد ؛ وهو :
هل يجوز لك أن تعلل عدم اقتناعك بالنص أو بخطأ النص بسبب أنك لستَ مقتنعًا بقائله رغم صحة النص و جماله المطابـِـق للمعايير المتـّفـق عليها ؟
أظن أن كل عاقل سيقول : لا يجوز لك تخطئة النص أو أن تراه سيئًا مع أن النص صحيح و جميل و السبب هو موقفك من قائله .
حسنًا أعتقد أنني قطعت نصف المسافة لقول ما أريد حول هذا الموضوع و هو :
أنه يجب عليّ و عليك يا كلّ قارئ أن تتجرّد للحق و ألا تحكم على نص ٍ ما بسبب موقفك المسبق أو اتباعًا للهوى و شهوة في نفسك .
و العكس صحيح ؛ فلا يجوز لك أن تقول عن نص أنه صحيح و جميل بسبب موقفك الإيجابي من قائله .
و بهذا انتهينا من رؤية ( خالد صالح الحربي ) للإسفاف الحاصل في مسابقة شاعر المليون . و خالد طرحه كمثال فقط .
وأنا طرحته و لي مآرب أخرى أبعد من المليون و شاعره !
و الآن إلى النصف الآخر ممّا لديّ حول هذا الموضوع فأقول :
هل موافقتك لنص ٍ ما ؛ أو مخالفتك لنص ٍ ما تعني أنّه ليس مهمّا أن تعرف من الذي قاله أو ليس مهما أن تحدد موقفك مما قاله ؟
و بالمثال يتضحّ المقال :
أيها القارئ : أتاك نصّ و فيه إساءة لك و لأبيك و لأمّك و لعائلتك . فهل هذا يعني أن تهتم ببنية النص و تحكم على المؤلف بالموت - كما تقول تلك النظرية - ثم تنظر إلى جمالياته اللغوية أو أخطائه ؟ أمْ تبحث عنه و تستفسر و تتأكد من ذلك ثم تشكوه و تحاكمه - هذا إن لم تأخذ حقك بيدك ؟
و إليك صورة أخرى :
أتاك نص و فيه إساءة لك ( ما عليه تحمّل كثرناها عليك )
أقول : أتاك نص و فيه إساءة لك , لكن أنت لم تفهم المراد و لم تحسبها إساءة ؛ لأن كاتب النص استخدم مفردة لا تعرفها أو أن لهجته تختلف عن لهجتك فيكون قصده من هذه اللفظة مخالفـًا لما فهمته منها .
فإذا تبيّن لك من خلال التثبت و النظر في سياق النص أو من خلال القرائن الأخرى ؛ فهل يجوز لك أن تهتم بقائل النص ؟
و دعونا من النصوص و اللصوص ! و تعالوا إلى كلامنا المنثور و خطابنا مع بعضنا البعض فما الشعر إلا كلام و لا يخرج عن ذلك أبدًا فجميله جميل و قبيحه قبيح - كما قيل - .
و لنطبّق الجزئين الذين طرحتهما في الأعلى :
1- أنه لا يجوز لك تخطئة الكلام بلا بيـّنة سوى موقفك من قائله .
2- أن إعجابك بالنص أو ردّك له ؛ لا يعني أن تقطع الصلة بينه و بين قائله مُـطـلـقـًا .
بقيت إشارة بسيطة و هي : إنّ أخذَكَ للحكمة و المثل و الكلام الرائع و العلم المفيد من عدوّك ؛ هذا لا يعني أن تنغمس في أنهار فكره و تقول : فزت و ربّ الكعبة !..
تحمّلوني فيما مضى و صوّبوني إنْ أخطأت .. و ربما في الذهن بقيّة .
..