منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - طغيانُ هواجس .!
الموضوع: طغيانُ هواجس .!
عرض مشاركة واحدة
قديم 10-14-2009, 03:53 AM   #1
فرحَة النجدي
( كاتبة )

الصورة الرمزية فرحَة النجدي

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 744

فرحَة النجدي لديها سمعة وراء السمعةفرحَة النجدي لديها سمعة وراء السمعةفرحَة النجدي لديها سمعة وراء السمعةفرحَة النجدي لديها سمعة وراء السمعةفرحَة النجدي لديها سمعة وراء السمعةفرحَة النجدي لديها سمعة وراء السمعةفرحَة النجدي لديها سمعة وراء السمعةفرحَة النجدي لديها سمعة وراء السمعةفرحَة النجدي لديها سمعة وراء السمعةفرحَة النجدي لديها سمعة وراء السمعةفرحَة النجدي لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي طغيانُ هواجس .!





نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة



ذاكرتي مُجرمة ، و الليل أكثر إجراماً منها .!



تطوف برأسي الآن خيالات مزعجة و ذكريات جمة عادت لتعرض نفسها من جديد في ذهني ، هذه الذاكرة التي لا تتقيد بوقت و لا تنحصر بمدى و لا تتراجع لبؤرة ، هذه الذاكرة اللامسؤولة و ذلك المزيج من الخيالات الجميلة المزعجة الأقرب للعدم منها للحقيقة ، و الليل المتواطئ معهم أشبعو رأسي دورا و أوسعوه ارتجاجا و أثقلوه بما لا طاقة له على استيعابه و تحمله .! كـ يدٍ هم تمتد لتحكم قبضتها حول عنقُ عقلي محاولةً حرمانه من أوكسجين الراحة و بذلك خنقه .! أتمنى أن لو كنت أستطيع القول لتذهب كلها إلى الجحيم و لكنني لا أقوى ذلك ، فمُحيا راشد الباسم على الدوام و فستاني الأبيض الذي ربما أدخل الفرح قلب أمي يوما ما ، هاتان الصورتان حضورهما يطغى على حضور باقي صور الذاكرة في رأسي ، و لأجل ذلك أنا لا أملك إلا أن أستسلم دون مقاومة لهذه الذكرياتِ و الخيالاتِ الكثيرة ..
وجه راشد المتشبث بذاكرتي و التي تتشبث به بدورها أيضاً ، لا زلت أتذكره ، أستطيع وصفه كما لو أنه كان واقفاً على بعد تتلاقى فيه أنفاسه و أنفاسي ، حقاً لا زلت أتذكر تقاسيم وجهه ، حتى أنني أتذكر تلك الندبة التي خلفها جرح صغير عميق نتج عن سقوطه من على سرير والديّ مباشرة على ذقنه ما استدعى الطبيب أن يستخدم غُرزاً معدودة لوقف نزفه ، كنا نتمازح يومها مع أبي . تلك الندبة كانت جهة اليمين تمركزت فوق عظمة فكه السفلي تحديداً ، تلك الندبة حرمت وجهه من شعيرات قليلة كانت ستنبت في محلها ، تلك الندبة ميزته و أعطته التفاتة جميلة ، تلك الندبة لم تؤثر في وجهه بل عرف وجهه كيف يستغلها لصالحه .! و أتذكر أيضاً نبراتُ صوته .. و آه منه ، صوته و ضحكاته و بسماته و أواه من حزنه و سخطه و دمعاته .! ألا أخبركم أمراً .؟! كان حتى و إن غضب لم ينسه الغضب رجولته و شهامته ، كان نبيلا بحق و حسناته كثيرة . مؤلمٌ ألّا أستطيع اخباره كم كان نبيلاً و كم كنت أحبه .!
في أحد أيام الصيف الحارة من عام 1998م ، اصطحبني راشد إلى المدرسة سيرا على الأقدام لأستلم شهادة تخرجي من المتوسطة ، و عاد معي ، و مساء ذلك اليوم ابتاع لي حزاما حيث أن عقدة الخصر كانت تلازمني منذ صغري ، و كان الحزام الذي أحضره كبيرا أيضا .! كـان يوما جميلا أجج ما بقلبي له فناديته و دسست ورقة صغيرة في جيبه ، أن هذه دعها سرا بيني وبينك ، طبعت قبلة [ على الماشي ] على وجنته و مضى كل منا إلى حال سبيله . هذه القبلة تحولت إليّ بعد أن كبرنا لتستقر على جبيني و نبدأ بعدها بالشجار : أنا لست عجوزا لتقبل جبيني .! الورقة الصغيرة كانت رسالة صغيرة كتبت فيها : شكراً لاصطحابي في هذا الحر ، و الحزام كبير جدا ، شكرا لك .. أنا أحبك كثيرا كثيرا أيها الطيب الشرير .. و أنهيتها بـ : دع هذه سراً بيننا .! لا أخفيكم سراً قرأتها و فرت دمعاتٌ منها عيناي ، إذ أنني لا أعلم لم قلت دعها سرا ، و ما المخجل في الأمر ، أن أحبه مثلا.؟! هذه الرسالة الصغيرة ، أعطانيها أخي الكبير بعد رحيل راشد : وجدت هذه بين أشيائه .!
أيامي معه كانت من أجمل الأيام التي مرت عليّ في حياتي .. بعد أن نلت رخصة القيادة ، كنت أفرح إن رأيت راشد في طريقي يقود سيارته ، أقترب منه بسيارتي حتى أصبح موازية له و ألوح له بيدي فيضحك : مجنونة .. كنت أشعر بفرحة غامرة ، هذه الفرحة تشبه في صفتها تلك التي تحدث يوم أن تبتعد الأرجوحة بنا بعيداً في الهواء فينتشر بداخلنا شيء يشبه رذاذ المطرٍ المتساقط برفق ، و تتقافز في حينها فراشاتُ قلوبنا بعشوائية .!
و قريبا ، منذ حوالي أربع سنين مضت مرض والدي ما استدعى الطبيب أن يبقيه في المشفى ليومين متتالين ، كان راشد يعود فيهما أبي منذ إنتهاء ساعات دوامه و حتى آخر الليل ، يبقى معه و يقضي حاجته ثم يمضي لينام . كنت في اليوم الثاني مناوبة في قسم آخر . عصرا ذهبت لأرى أبي فوجدته جالسا على الشرفة بصحبة راشد يتجاذبان اطراف الحديث و يتضاحكان ، انضممت إليهما . كانت دقائق معدودة إلا أنها خلفت ذكرى طيبة في قلبي . راشد كان مزوحا لطيفا و معطاء لدرجة لا تكاد توصف ، و لكم آثر على نفسه ما قربه من قلب أبي .. في تلك الليلة زارني راشد في قسمي و قبل وجنتي و سألني عن حاجتي و مضى ، فهمست احداهن : كم هو لطيف ..!
الشرفة تلك ، كانت تطل على المشرحة . وقفت بها بُعيد رحيل راشد ، كنت أنظر للأسفل و إذ بنعشين محمولين على الأكتاف ، استعدت صورة راشد في كفنه ، دمعت عيناي فهمس أحد الواقفين هناك : قوي قلبك ، إلتفت إليه لم أنبس ببنت شفة ، رمقته بنظرة أنا نفسي لا أعرف كنهها و تركت المكان .. همست : أقوي قلبي .؟؟ أقويه لم لا ؟ أنا رأيت راشدا مضرجا بدمائه خاليا من روح ، لمست وجهه و قبلت جبينه ثلاثا ، حضرت مراسم دفنه و نظرت إليه في كفنه ، كيف لا أقوي قلبي .؟! شغبنا و نحن صغار ، ضحكاتنا ، ألعابنا ، و مغامراتنا ، أيامُ عيدِنا و ذكرياتٍ كثيرة لست أنساها ، يـا للأيام كيف تنقلب ضدنا بين يوم و ليلة ..
يكفي ! هذا يكفي ، فمهما أطلقت يدي و قلبي ليكتبان لن أبلغ راشد وصفاً و لن أستطيع تحجيم عظم قدره في نفسي ..

الفستان الأبيض .!
لن أطيل الحديث عنه ، فأنا كلما خطت قطعة منه اختلت قطعة أخرى ، ما يعني أنني سأبقى أصلحه إلى أن يشاء الله ، و أتمنى أن لو يشاء الله فأمي ملحاحة لا أعلم لم ، و هو كـ الثلج يمشي على الأرض هوناً و عاطفته جليدية / بليدة .! خيالات هذا الفستان تصنع أجنحة بيضاء ترفرف بعنف فوق بعضها البعض ، و سماءٌ رحبة ملبدة بالسحب الخالية من مطر ، و ملاءات كبيرة تلفني و تلفني و تلفني ككفن أو شرنقة حتى أشعر بأنها تقربني من هلاكي ، كل ذلك في رأسي ، فتشعرني بالدوار و أتلهف لأن أرى ما خلفها ، نهايتها ، أحاول انهاء تعاقبها و لكن ذلك لا يحدث لا يبطلها شيء عدا النوم . و مؤخراً أحلامي غدت مزعجة أرى فيها ابتعاده عني و جرياني خلفه دون أن أصل إليه ، و كأنني أركض في مكاني و هو يبتعد فأصرخ به : لا تتركني ، لمن تتركني ، ما أصنع بي من بعدك ، لا تتركني .. فأصحو بغثاء قلبي و ذهني مقيت .. و هكذا أنا و ببساطة لا أنام ، لا أنام إلا أن أنهك نفسي و جسدي حتى إذا تعطش قلبي للنوم سقطت على سريري كخرقة بالية .!
بين أمس و حاضر و مستقبل ، و برغم كل الأرواح الشريرة التي تحفني و تملأ محيطي و تتربص بي ، و قدري الذي أجهله ككل البشر الذين ليس بحوزتهم قدرات خارقة لكشف الحجاب عن أقدارهم ، أنا ما عدت أشعر بالخوف من شيء أعظم من خوفي من مصيبة الفقد .. كل العوارض و القوارض أستطيع مجابهتها بشيء من لا مبالاة و عدم اكتراث ، أما الفقد .! فلم استحدث بعدُ ترياقاً ناجعاً لسمه الزعاف الذي يكاد يفتك بقلبي .!
أنا حين أمسكت القلم لأكتب لم يدُر في خلدي أني سأرتكب كل هذا ، كنت قد عقدت العزم على تدوين السطر الأول فقط ، و لكنها أصبحت سطورا عديدة ..
حسنا لا بأس ، هيّ مساحتي على كل حال ، ثم أن أكتب خير من أن يستلمني الفراغ و يغتالني بكثرة و طغيانِ هواجسه .!


قابل للنقد حتماً ..

 

التوقيع



قَدْ سَفِهَتْ عُقولُ بَعْضِ الّناسِ حَتى اعْتَبَروا
قِلَةَ الّتَأَدُبِ مَعَ اللّهِ في أطروحاتِهمْ أَدَباً .!!


.



لله رب العالمين ،
ثابتة على قيَّمي نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


My Facebook
https://www.instagram.com/alnajdi_f/


التعديل الأخير تم بواسطة فرحَة النجدي ; 10-14-2009 الساعة 04:18 AM.

فرحَة النجدي غير متصل   رد مع اقتباس