منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - ألغامٌ .. لحزن !
الموضوع: ألغامٌ .. لحزن !
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-06-2009, 02:45 PM   #1
د. منال عبدالرحمن
( كاتبة )

افتراضي ألغامٌ .. لحزن !


*

أنا و الفراقُ ثلاثةٌ, و الموعدُ الأوّلُّ ثانينا الّذي لم يحضر !

كلُّ شيءٍ يحتّمُ البُعدَ أيّها الانتظار, كلُّ شيءٍ يفرضُ الانتظارَ لأجلِ البُعدِ و قبلَ البُعدِ و بعدَ البُعد,

كلُّ شيءٍ يرواغُ رغباتنا المسجونةَ خلفَ شِفاهِ الكبرياءِ الّذي لا يُنادي إلّا القطاراتِ المتأخرّةِ و نوارسَ النّصفِ الأخيرِ من الكرةِ العشقية !

كلُّ شيءٍ انتظارٌ, و في البُعدِ تتطاولُ كلُّ الأشياء و تكبر !

**
أرى خطوةَ انسانٍ يُغادرُ حلمَهُ و يتركَ النّحيبَ للأشجارِ المُثمرةِ بحبّه ,
يُغادرُ وطنَ الأمنياتِ الصّغيرة و الحبِّ المكسوِّ بالفرح و يسعى نحوَ منفى جديرٍ بالحزنِ و البكاء ,
أراني أتلبّسُ الخطوةَ لأكونَ أنا ذاكَ المنفى و قدرتَهُ على اجتيازِ الحبرِ و الكتابةِ بالبحرِ ,
و تحويلِ الفضاءاتِ إلى أوراقٍ جديرةٍ بالغيمِ و المطر ,
و الأشجارِ إلى ريشاتِ تغمسُ الحضورَ في الغياب,
و العصافيرِ إلى أحرفٍ غيرُ قادرةٍ على الطّيرانِ و الحبّ ,
و حبّي إلى حزن !

***
على الحافّةِ المهترئةِ لصبري وقفتُ طويلاً أرقبُ العواصفَ الهوجاءَ لقلبكَ ,
و أنتظرُ شراعَ لَهفكَ المتهالِكِ أن يسقط , فتغرقَ ذاكرتَكَ و أنقذَ حزنكَ !

أحبّكَ و لا أستطيعُ أن أقولَ لكَ , سوى أنَّ حزنكَ بفرعيهِ الصّغيرينِ يصبُّ في قلبي ,
و أشبههُ ..
و أعمدُ أن اجعلَكَ تتفقّدُ ملامحي و تتفرّسُ قلبي علّكَ تنبشُ صمتي و تفاجئني بأنّكَ تعلمُ أينَ خبّاتُ حزني ,
و كيفَ تعلُّقَت أحلامي بساعديكَ و تأرجحت أمنياتي على أهدابِ صوتك , لأبكي و أنكرَ انّي أحبُّكَ ..
و أحبّك !

****
نجمةٌ غريبةٌ على دفتركَ كنتُ أنا , أخطو بصمتٍ على أشواكِ مجرّتكَ المزروعةِ بالشّمسِ و الكواكب ,
حزني ينزُّ و أخشى على أحرفكَ من اصفرارِ وجعي و شهوةِ خناجرِ الحبِّ المسمومةِ للإنغراسِ في صدرك !

ليسَ ثمّةَ ما يُشبهُ أمواجنا المُشتركة , و إعصاراتنا المجنونة , و قدرتنا على الرّحيلِ في أكثرِ الأوقاتِ شوقاً و اجتياحاً و جنوناً ..
ليسَ ثمّةَ ما يُشبهُ دموعنا الغارقة إذ تفترسنا الذّاكرةُ الغابرةُ لمستقبلنا معاً,
و تلفظنا ذاكرةٌ أخرى لماضٍ قادمٍ يحتوي جرحينا و يكفّنُ الأسرار !
ليسَ ثمّةَ شيءٍ قادرٌ على جعلنا أغنيةً واحدةً للكثيرِ من الآلام و أنشودةً لواحدٍ فقط من الأحلام..


*****
قادرةٌ أنا على نسيانكَ قبلَ الموتِ لا أثناءه, و أثناءَ الرّحيلِ لا بعدَه..
قادرةٌ أنا على الإشاحةِ بفقرِ سعادتي عن شفتيك , و بشُحِّ وسادتي عن رأسك ,
و بالتّظاهرِ أمامكَ بأنَّ الصّباحَ يلثمُ ثغري بعطف و أنّ المساءاتِ تمنحني الدّفءَ و تلملمُ بعثرةَ أطرافي بسكينة ..

حتّى حينَ تسرقُ دمعيَ المختبئِ عن عينيكَ بجناحِ غيمة , أجدني أنزاحُ عن قِبلَةِ حزنكَ بمقدارِ بكاءٍ ,
و أجدكَ تزيحُ الغطاءَ عن وطنٍ شاسعٍ كالحبِّ يمتدُّ بينَ وحدَتي و كثرتك ,
ثمَّ تحتفظُ بمنديلٍ أبيضٍ أخيرٍ كانَ وطناً للكثيرِ من الغيمِ في عينيَّ , و مهجراً لسنونوةٍ واحدة غادرت صدرك بطواعيةٍ رغماً عنها!

الشّيءُ الوحيدُ الّذي لا أستطيعهُ معكَ هو أنت , حينَ تديرُ ظهري عنكَ و ترحل و عيناكَ معلّقتانِ بشفتيَّ ,
تكبّلانِ نداءهما بجفنينِ من الأرقِ و الانتظارِ لأجلِ ياءٍ تقصمُ ظهرَ مكابرتي


فأعدو إليكَ دونَ أن أبكي ,

لمرّةٍ وحيدةٍ فقط ..

دونَ أن أبكي ..

 

التوقيع

و للحريّةِ الحمراءِ بابٌ
بكلِّ يدٍ مضرّجةٍ يُدَقُّ

د. منال عبدالرحمن غير متصل   رد مع اقتباس