منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - ما تبقى من أوراق محمد الوطبان
عرض مشاركة واحدة
قديم 01-15-2009, 12:05 AM   #4
خالد صالح الحربي

شاعر و كاتب

مؤسس

عضو مجلس الإدارة

الصورة الرمزية خالد صالح الحربي

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 51634

خالد صالح الحربي لديها سمعة وراء السمعةخالد صالح الحربي لديها سمعة وراء السمعةخالد صالح الحربي لديها سمعة وراء السمعةخالد صالح الحربي لديها سمعة وراء السمعةخالد صالح الحربي لديها سمعة وراء السمعةخالد صالح الحربي لديها سمعة وراء السمعةخالد صالح الحربي لديها سمعة وراء السمعةخالد صالح الحربي لديها سمعة وراء السمعةخالد صالح الحربي لديها سمعة وراء السمعةخالد صالح الحربي لديها سمعة وراء السمعةخالد صالح الحربي لديها سمعة وراء السمعة

Post


يقول خالي نايف :
في ذلك الوقت كنّا في بداية الطفرة الاقتصادية ، والبنك العقاري بدأ بتوزيع المنح ، وبدأ وجه رفحاء يتغير ، ورغم هذا كانت الدنيا براح وفيها سعة ، ليست مثل الآن خانقة .. كنت ترى بيوت الشعر والخيام وفلل الاسمنت الجديدة وبعض " الصنادق " في حارة واحدة ، وهناك على مد النظر – جهة السوق – ترى بعض بيوت الطين .
بنينا بيت شعر " مخومس " ليكون المقر الرئيسي لحفل زفاف والدك على صلفه ، وكان منّا من يأتي بالقدور والأواني لكي تقوم النساء بطبخ العشاء والغداء ، وهناك من يأتي بالسجاد من بيته لكي يُفرش للضيوف .. وطبعا ً لم يكن الزواج مثل هذه الأيام ليلة واحدة فقط .. بل ثلاثة أيام بلياليهن والاحتفال مستمر ، وكل مساء ترتفع أصواتنا بالعرضة والسامري والدحة .
كنا نقوم بتجهيز العشاء وتقديمه للحضور بعد غياب الشمس .. بعد أن ننتهي من أداء صلاة المغرب مباشرة . وبعد صلاة العشاء تبدأ " العرضة " ونبدأ نتمايل بحماسة مع الكلمات التي تعدد مآثرنا وشجاعة أجدادنا ضد خصومهم ، وما أن تأتي الأبيات التي يُذكر فيها اسم قبيلتنا إلا ويخيّل لك أن كل واحد منّا قد تلبسته قبيلة من الجن .. كنا نرتفع عن الأرض مع الرقص .. وتتغيّر ملامح وجوهنا كأننا في معركة حقيقية ومع ارتفاع الحماسة تبدأ البنادق بالهدير .. لحظتها نشعر كأننا نشم رائحة التراب الذي يتطاير بفعل حوافر خيل أجدادنا في أثناء غزواتهم .
وقتها كنا بدأنا نعرف ما هو " النظام " وننصاع لبعض أوامره ، لهذا لم نكن نتمادى كثيرا ً في اطلاق النار من بنادقنا ، لأن شرطة الإمارة تقف لنا بالمرصاد ، رغم معرفتنا ببعض أفرادها الذين يغضون الطرف عن بعض ما نفعله من مخالفات . كما أننا في " العرضة " أصبحنا نتجاوز بعض الأبيات التي تمس بعض القبائل حولنا والذين كانوا في السابق خصوما ً لقبيلتنا ، وبعض بيوتهم كانت قريبة ويسمعون غناءنا ، بل إن البعض الآخر متواجد بين الضيوف .
في هذا الوقت الذي كان فيه الرجال يغنون العرضة ويشاركهم قليلا ً بعض كبار السن ، كان الفتيان وبعض الشباب يخرجون خلسة إلى جهة النساء ليختلسوا النظر لبعض الفتيات وهن يرقصن . كانوا يقفون في إحدى الزوايا الخفية وهم متلثمين بأشمغتهم ، وكل منهم ينتظر الوقت الذي ترقص فيه من يهواها من النساء . يحدث أن العاشق يختبيء بزاوية ومعه شقيق من يحب ، وما أن تنزل إلى " الملعب " لترقص إلا ويسحب مسدسه الصغير ليحييها بطلقتين . لحظتها يتلقى سيل من اللعنات من شقيقها – ومن الآخرين أيضا ً – لا لأنه أطلق الرصاص أمام الجميع تحية لأخته بل لأنه نبّه كبار السن إليهم ، والذي سيأتي أحدهم بعد قليل ومعه عصاه ليطرد الجميع من المكان . كان بإمكان أي رجل كبير في السن أن يؤدب بعصاه من يشاء ، ويضربه .. فلا يرد عليه المضروب أبدا ً ، ولا يناقشه أهله : لماذا ضربته ؟.. بل من الممكن أن يأتي والد المضروب ليكمل ضربه دون أن يسأله ما الذي فعله . لأن "فلان" بالتأكيد لم يضربك إلا لأنك أخطأت في شيء ما !
أما الفتى – شقيق الفتاة التي أُطلق الرصاص من أجلها – فلسان حاله يقول :
فليطلق الرصاص كما يشاء ، فكما هي أختي ، هي ابنة عمه أيضا ً والجميع يعلم هذا والجميع يعلم أنه يريدها على سنة الله ورسوله ، وهي تريده كذلك . والجميع يعلم أنهما لو كانا لوحدهما في قلب الصحراء فلن يمس أحدهما الآخر ، بل إنه سيحميها بروحه لو فكر أحدهم بمس شعرة من رأسها ، ولديه استعداد أن يقف بوجه الموت نفسه لو فكر في الإقتراب منها .
كانت القلوب طيبة ، والنوايا صافية .. وكل هذا الغضب – فقط – لأنه نبّه " الشيبان" عليهم .. ولكن .. ما هي إلا لحظات ويذهب الشايب إلى مجلس الرجال ، ويعود الشبان لمشاهدة صبية جميلة ترقص وتنثر شعرها في الفضاء ، ولطوله وسواده لا تعلم أين يبدأ الليل وأين ينتهي شعرها ؟.. لحظتها .. كم من قلب يذوب ، وكم من آهة ساخنة تطير في فضاء القلب .

ما أن ينتصف الليل إلا ويعود الشبان إلى جهة بيت الشعر الذي يضم الرجال ، ليبدأ " السامري " بكل ما فيه من طرب وشجن :


هبّت هبـوب الشمال وبردها شيني
ما تدفـي النار لـو حنا شعلناها
ما يدفي إلا حضن مريوشة العيني
وإذا عطشنا شربنا من شفاياها


يغنون ، وكل منهم يتخيّل أن " مريوشة العين " هي تلك الفتاة التي رآها منذ قليل . ويرتفع الشجن مع :


وراك ما تذرفين الدمع يا عيني
على هنوفٍ جديد اللبس يزهاها
أضحك مع اللي ضحك والهم طاويني
طويت قراب العرب لقطروا ماها


وفي الجهة المقابلة ، عند النساء ، تبدأ العجائز بغناء ما يسمينه " قصيد الليل " :
غاب القمر وانقطع ضوه ... قطّع قلوب العواشيقي

يتبع ...

 

التوقيع

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

خالد صالح الحربي غير متصل   رد مع اقتباس