منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - كاتب!
الموضوع: كاتب!
عرض مشاركة واحدة
قديم 01-02-2009, 08:29 PM   #1
سعد الميموني
( كاتب )

افتراضي كاتب!


الكاتب هو شخص يجلس على مكتبه في غرفته و بجانبه كوب شاي منعنع، و نسبة لا يستهان بها منهم يوجد على يسارهم منفضة سجائر، و يتوهم هؤلاء أنهم يقفون على منابر من ذهب مطعمة بالعاج و مرصعة بالأحجار الكريمة و أنّ وهجهم و هم فوق ذلك المنبر يفوق توهج المنبر نفسه الذي وُضع من أجلهم بكل ما يحويه من معادن و أحجار نفيسة مشعة.
الكاتب شخص يعتقد نفسه أكثر من مجرد شخص، يعتقد نفسه وريث للأنبياء في شهرتهم و رسالاتهم و يرفض و يا للغرابة وراثة عذاباتهم، يعتقد أنّ الناس إذا أتى ذكره يصيبهم ما يصيب مدمني المخدرات من أعراض إنسحابية ناتجة عن حاجتهم لنورانيته و حكمته و فلسفته و سعة إطلاعه و روعة تحليلاته و دهاء إستنتاجاته و قبل ذلك و بعده سحر كلماته، و يظن أنه يستحق على كل هذا أن يُرفع ذكره، و أن تزيد حظواته، و أن يتقرب إلى نعيم الدنيا زلفى، ذلك النعيم الذي يراه عند المستبدين فيهاجمهم ليمنحوا المحرومين بعضاً منه، و ربما لهذا السبب يظن أنه يستحق عمولة أو بدل أتعاب و بدل إنبحاح حلق، و غلبة.

لهذا أنا أتفق مع تولستوي ذلك الروائي الذي وُصف بأنه كان يملك عقلاً بالغ الجمال في جسدٍ بالغ الدمامة، و الذي كاد أن ينتحر في بداية مراهقته لأنّ جمال روحه كان يٌصعق في كل مرة يطل فيها على قبح منظره، تولستوي الذي وازت شهرته شهرة روسيا و فاقت شهرة الكثيرين من رؤسائها و أعلامها استنتج في آخر حياته - التي وقفها للأدب و الفن- أنّ : " أي جزمجي ( إسكافي ) أنفع للحياة من شكسبير " و هذه و إن كانت ردة فعل عنيفة جداً من أحد المنتمين الفاعلين في مجال الأدب و المحسوبين عليه! إلا أني أتفق معه عليها.

و أشدُ أيضاً على يد الطاغية ستالين الذي كان رقيباً على الإنتاج المعرفي و الأدبي في بلاده، و يقال أنّه لم يصدر أي كتاب في روسيا دون أن يقرأه بنفسه، عندما قرأ مرة ديوان شعر قدّمه صاحبه لكي يحصل على فسح يمكّنه من نشر ديوانه فما كان من ستالين إلا أن أمر بأن يُطبع من الكتاب نسختين فقط، نسخة للشاعر و نسخة أخرى لمحبوبته لأنه وجد أن أغلب القصائد في ذلك الديوان كانت موجهة للحبيبة فقط. هذا التصرف و إن خلا من بعد النظر و خصوبة الخيال إلا أني أجده مبنياً على فهم عميق للحياة!

كاتب، كلمة تطورت و خلال هذا التطور تبهذلت كثيراً، فالكاتب في زمنٍ مضى كان يوازي المستشار الرئاسي أو الوزير أما اليوم فالكاتب هو من ركب جملة مفيدة قد تخرج من قلمه خروج المولود الخدج، باهتة تتلوها أخرى أبهت منها إلى درجة تجعلك إما أن تغامر فتكمل المكتوب لتستفرغ عند آخر نقطة فيه، أو أن تشتري دماغك و لا تكمل القراءة.

الكاتب اليوم كالجارية المملوكة في زمن مضى تجده مُكبل بقيود عبودية لرب نعمته، و تجده خاضع بأفكاره و تفكيره لمن يدفع له، الكتابة اليوم كالغناء و الرقص أيضاً فالكتابة اليوم تستمد قوتها من جماهيريتها، لذا تجد الكُتّاب يرددون كما تردد الراقصات و المغنيات : أنا رأس مالي حب الناس لي، أنا من غير جمهوري لا أساوي شيئاً!!

ما فائدة الكُتّاب اليوم إذا كانوا سيصبغون أنفسهم بصبغة الجمهور، كي لا يشذوا فيتم نبذهم! و أين رسالتهم إذا أصبح هدفهم رضى العامة عنهم، و أين تحملهم لآلام النبذ و التحقير و التنكيل الذي تعرض له أصحاب الرسالات فصبروا.

كاتب، رقاصة، مغنية، كل هؤلاء يتمنون رضى جمهورهم عنهم لأن هدفهم الأول و الأخير هو الإنتشار، و تجدهم يعرّضون بسمعة غيرهم من الكُتّاب المنافسين لهم، و يدّعون أنهم بريئين من الإسترزاق بأقلامهم و أنهم يكتبون لأنهم يحبون الناس فقط، و الغريب أنّ حالهم هو كاد المريب أن يقول خذوني.

فعلاً يا تولستوي إن أي جزمجي أنفع للحياة من كُتّاب لا رسالة لهم إلا أن يرضى الناس عنهم، و الوسيلة إلى ذلك الرضى ستكون أي شيء يكتب لهم الرضى، أي شيء!!

 

التوقيع


عبث تائه


لا،


أكثر...

!


مدونتي :
http://saad.fqaqee3.net/wordpress/



سعد الميموني غير متصل   رد مع اقتباس