:
:
I.
ابنة الذين دلّلوا بنانها .
الواقفة كمَنْ غرَسَت خصرها جوف الغيمة الخصبة الموشكةُ على الإمتـلاء بالمطر .
عرفتُها هكذا ... مطلّةٌ على حيّنا من علْيّين ، وكأنَّ نافذة حجرتها متنفّسٌ لكرةِ الأرض .. فأختارت السكنى في الطابق الثالث من برجِ أبيها رأفةً بحيٍّ شعبيٍّ قديم تطمئنَّ على حياة من يأهله ، تلتحف الأوزون المبطّنَ برذاذ الماء ..
بينما ومعي التسعة المراهقون المتفقون في سنة الميلاد من أهل الحيّ تقضينا القيلولة فوق أرصفة النار .. نخوض تحديّاً مع الرمضاءِ ، وسباقاً نحو قرص الشمس المتوهجْ .. وفيما بعد العِشاء إلى أطراف الفجر نقضيه في حلمٍ وحيدٍ لانملك سواه ، كلًّ منّا هو الحالم بإستسقاءٍ وإستغاثةٍ .. ومطَر .
أيضـاً .. كلٌّ منّا يكيـلُ اللعنات لإتسـاع فناء بيت أبيه ..
وإنعدام النوافذ ، والطابق الرابع .
:
:
Ii.
الفاتنـة التي يبدأ نداؤها عـلى إخيها الأصغر كإستعراضٍ منتظم على موسيقى نبرتها ..
وعلى إمتداد الممر الضيّق المارق أمام باب منزلها .وبمرور الزمن .. أصبح ذلك الممرْ معبراً واسعاً للصـراخ ، والتأفّف ، وتمنّي الموت والخلاص ، وبضع نظراتٍ خاطفة أرسـلها - أحياناً - للتخفيف من حدّة الضجيج هناك .
تزوّج أخوها الذي يكبرها وأصبح اباً لأربعة ، وبُحَّ صوتها من كثرة النداءات التي ربمـا لاتعي إلى منْ أطلقتها ، متأكدةٌ فقط بأنَّ عليها الصراخ نحو الجهات الخمس ، حتّى يعود أخوها الأصغر .. وأطفال أخيها الأربعة .
:
:
Iii.
بنيّة التنفّـس .. إنحرفتُ شمالاً وتوقفتْ ، ودونَ قصدٍ .. وجدتني أكوّم ذراعي فوق الأخر ومن فوقهما جبيني ، وكلّ هذه الأكوام على حافةِ لوحةٍ حديديّةٍ مسـتطيلة ، ومكتوبٌ عـليها بخطٍّ لايكاد ينفكّ .. وبطلاءٍ أبيض :
فضـــــاء للبيع .
رفعتُ رأسي .. وألحقته بذراعيّ .
وداخلي يكتظُّ بالأسـى على كمِّ الأنفاسِ التي ستؤخذ منْ صدورنا لحظة الإفراغ للمشتري الجديد ..!؟وأدرت ظهـري لذلك الفضـاء ، وبنفس درجة الإنحراف الأولى .. عدتُ إلى خطوتي التي تسبق زاوية إنحـرافي مباشرةً ، دون أن أقرّر الإتجـاه .
:
:
Iv.
أشــعلتُ نصف سيجارةٍ بالكاد منحني إيّاها الرصـيف .. أقصد ماكان مفترضـاً أنْ يكون رصيفاً .!
وعـلى عجَل .. حدّثتُ نفسـي ، وأوشكَت وسوستي الوحيدة أن تتكاثر بالتبنّي ، فالنوايـا السيئة كانت عن اليمين والشمـال ، أطفأتُ نصف سيجارتي .. أو أنّه إنطفـأ خلف قضبان صدري ، و ..
:
:
V.
بعد أن إغتصبتُ بضع عشرةَ خطوة .. بدأت الأفكار أكثر ترتيباً ، وبدأُ أقرأها بصوتٍ عالٍ لايسمعه سـواي . إلى أنْ قاطعتني نهاية الطـريق ، وبيـاض الفجر .. وصوت جدّي المملوء بأذان الفجْر .
لأعود أدراجي ، دون التقيّد بذات الشـارع الترابي ،ولأنّني كلما دنَت لحظة إستقبال المنزل لاأبالي .. حتّى وإنْ بدت تتخبطني العشوائية كمخمورٍ يقـرع باب جاره ويحلم بسريره ، السائرون نحو صوت الأذان نظــرات بعضهم توحي بأنني مخمور ، وأعين أبنائهم تحسدني على مشيتي الهادئة بينما هم مرعوبون .. سراعاً على أثار أبائهم ، تراودني رائحة النصف الذي كان مشتعلاً ..!
:
:
Vi.
هذه أرض .
ربمــا لم يعد هناك فضاء ..!
دفعت اللوحة وماكتب عليها بحقد ، فسقطت نحوي .. لأقرأ ماقرأته سابقاً..!
هذه أرض فضاء للبيع .
سيبقى الفضــاء إذن ، وتزداد أنفاسنا رغم الإختناق .
وركضت بإتجاه المنزل إحتفالاً بمساحةٍ تتسع كلّما ضاقت بنا الصدور .
:
:
Vii.
أثنــاء إحتفالي ذاك ..
كنتُ أغنّي بصوتٍ عالْ ، وأنظر أعلى الأفق بقليل ..
فقط .. لأتأكد بأنَّ الخصر المغروس في باطن الغيمِ لمْ يثمـر بعْد.
:
:
Viii.
لتنقضـي العديد من ليـالِ العمرِ على حدود الفجر..
وطرفي شـارعٍ ترابيٍ قديم، وإنتظارٍ لمواسم القطاف .