منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - درس خصوصي
الموضوع: درس خصوصي
عرض مشاركة واحدة
قديم 10-15-2006, 03:27 AM   #3
حابس المشعل
( شاعر وكاتب )

الصورة الرمزية حابس المشعل

 






 

 مواضيع العضو
 
0 هيفاء .
0 قصائد .
0 والساقطات: 3 جهات
0 جحيـم .

معدل تقييم المستوى: 773

حابس المشعل لديها سمعة وراء السمعةحابس المشعل لديها سمعة وراء السمعةحابس المشعل لديها سمعة وراء السمعةحابس المشعل لديها سمعة وراء السمعةحابس المشعل لديها سمعة وراء السمعةحابس المشعل لديها سمعة وراء السمعةحابس المشعل لديها سمعة وراء السمعةحابس المشعل لديها سمعة وراء السمعةحابس المشعل لديها سمعة وراء السمعةحابس المشعل لديها سمعة وراء السمعةحابس المشعل لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


وكانت نعمة حين تفرغ نفسها وأفكارها ، وتخطر على ذهنها خواطر الزواج . تحس أن الزواج سيجيئها من حيث لا تحتسب . كما يقع قضاء الله على عباده . مثل ما يولد الناس ويموتون ويمرضون ، مثل ما يبيض النيل ، وتهب العواصف ، ويثمر النخل كل عام ، كما ينبت القمح ويهطل المطر وتتبدل الفصول كذلك سيكون زواجها ، قسمة قسمها الله لها في لوح محفوظ قبل أن تولد ، وقبل أن يجري النيل ، وقبل أن يخلق الله الأرض وما عليها ، لم تكن تحس بفرح أو خوف أو أسى حين تفكر في هذا ، ولكنها كانت تشعر بمسؤولية كبيرة ستوضع على كتفيها في وقت ما ، قد يكون قريبا ، وقد يكون بعيدا ، صاحباتها في الحي ، كل فتاة تشب وفي ذهنها صورة معينة عن الفارس الذي يربط فرسه ذات مساء ساجي الضوء خارج الدار ، ويدخل ويختطفها من بين أهلها ، ويهرب بها بعيدا إلى عوالم سحرية من السعادة ورغد العيش ، أما نعمة فلم ترتسم في ذهنها صورة محددة ، كبرت وكبر معها حب فياض ستسبغه يوما ما على رجل ما قد يكون الرجل متزوجا له أبناء ، يتزوجها على زوجته الأولى قد يكون شابا وسيما متعلما ، أو مزارعا من عامة أهل البلد مشقق الكفين والرجلين ، من كثرة ما خاض وضرب المعول ، قد يكون الزين ... وحين يخطر الزين على بال نعمة تحس إحساسا دافئا في قلبها ، من فصيلة الشعور الذي تحسه الأم نحو أبنائها ، ويمتزج بهذا الإحساس شعور آخر ، بالشفقة ، يخطر الزين على بالها كطفل يتيم عديم الأهل ، في حاجة إلى الرعاية ، أنه ابن عمها على كل حال ، وما في شفقتها عليه شيء غريب .
***
لم تكن أم الزين تبالي أين يقضي الزين ليله ، فقد كان كروح قلق ليس له مستقر ، حيثما أقيم عرس تجد الزين : في فريق الطلحة أو عند عرب القوز في قبلي أو بحري ، لا يحبسه برد ، ولا عاصفة تهب بالليل ولا النيل الطامي في موسم فيضانه ، تلتقط أذنه بحساسية نادرة زغاريد النساء على بعد أميال ، فيضع ثوبه على كتفه ويهرول كأن شيئا يجذبه إلى مصدر الصوت . وأحيانا يسطع النور فجأة من وراء كثبان الرمل ، حين تعدو السيارات آتية من أم درمان ، فإذا شخص نحيل يحب في الرمل يميل بجسمه إلى الأمام قليلا وعيناه تنظران إلى الأرض ، يحث الخطى متجها شرقا . يرى الركاب الزين فيعلمون أن ثمة حفل عرس في طرف الحي ، فإما صاحوا به حين يمرون عليه ، وأما أوقفوا السيارة وتحرشوا به . وأحيانا يسير وراءه كوكبة منهم ، وتقترب زغاريد النساء وتتضح معالمها . ويستطيع الزين أن يميز النساء . أية امرأة زغردت ، ثم تبدو الأنوار وتبدو أشباح مجتمعة تصعد وتهبط كأنها شياطين في وادي الجن . ثم يظهر الغبار الذي تثيره أرجل الناس في رقصها ، يتشبث بخيوط الضوء . وفجأة ينشق الليل عن نداء يعرفه كل أحد : " عوك يا أهل العرس ، يا ناس الرقيص الزين جاكم " . وإذا الزين قد قفز كالقضاء واستقر في حلقه الرقص . ويفور المكان فجأة فقد نفث فيه الزين طاقة جديدة . ومن بعيد يسمع المرء صيحاتهم يرحبون به : " ابشر . ابشر . حبابك عشرة " . وحين تموت أصوات النساء في حلوقهن ، وتطفأ الأنوار ، ويتراوح الناس إلى دورهم قبيل طلوع الفجر ، يسند الزين رأسه إلى حجر أو إلى جذع شجرة ، وينام برهة نوما خفيفا كنوم الطير . وحين يؤذن المؤذن لصلاة الفجر ، يقفل عائدا إلى أهله ، فيوقظ أمه لتصنع الشاي . بيد أن المؤذن قد أذن ذات صباح ، ولم يعد الزين . وأحمر الأفق الشرقي قبيل طلوع الشمس ، ثم ارتفعت الشمس قدر قامة الرجل ولم يعد الزين . وأحست أم الزين برجفة خفيفة في جنبها الأيسر فلم تستبشر خيرا . إنها تعتقد أن جنبها الأيسر إذا رجف فإن شرا سيلم بها أو بأحد ذويها لا محالة . وهمت أن تذهب لعم الزين . ولكنها سمعت حركة عند باب الحوش وسمعت باب الحوش الكبير يصر ، ثم سمعت خبطة قوية ، وفجأة رأت أمامها شيئا مريعا . فصرخت صرخة سمعها حاج إبراهيم أبو لحمة في رابع بيت وهو جالس على مصلاته يشرب قهوة الصباح . امتلأت الدار بالناس رجالا ونساء وحملوا أم الزين فاقدة الوعي . وانشق الناس نصفين . نصفا راح مع الأم ، ونصف أغلبهم من الرجال التفوا حول الزين ، كان على رأسه جرح كبير يصل إلى قريب من عينه اليمنى ، وصدره وثوبه وسرواله ملطخة بالدم . وفقد الناس رشدهم . وأخذ عبد الحفيظ يصيح في الزين وقد احمرت عيناه من الغضب : " كلمنا مين عمل فيك العملة دي ؟ مين الكلب المجرم الضربك ؟ " وتصارخت النساء وبعضهن أخذن في البكاء وكانت نعمة تقف عن بعد ، صامته ، وعيناها مركزتان على وجه الزين ، وقد حل محل الغضب فيهما حنو عظيم . وقال حاج إبراهيم : " الحكيم " . وكان للكلمة وقع الماء على النار ، فهدا عويل النساء وصاح محجوب : " الحكيم " وصاح عبد الحفيظ : " الحكيم " وانطلق أحمد إسماعيل على حماره ليحضره .





الطيب صالح

 

التوقيع

twitter

حابس المشعل غير متصل   رد مع اقتباس