أهلًا بالعزيز خالد ، وبإطلالته البهية (جزاك الله خيرًا لدعائكَ لتوأم الروح) .
أسمى الشعر وأصدقه (الرثاء) ، شاء من شاء وأبى من أبى -إلا إذا اختل ركنٌ من أركان الشعر- (فهو ليس كالغزل ، والمدح ، والـ...) يشوب عاطفته الكذب في كثيرٍ من الأحيان .
النابغة الذبياني الذي تضرب له قبة من أدم في سوق عكاظ ، ليحكم بين الشعراء ، أتته الخنساء وأنشدته : (قذى بعينك أم بالعين عوَّارُ) قصيدة في رثاء أخيها صخر ، فقال : إنكِ لأشعر من كل ذات ثديين (وشتان بين النابغة وسواه) .
أبو الحسن التهامي قصيدته في رثاء ابنه من عيون الشعر (حكم المنية في البرية جاري) .
ابن الرومي قصيدته في رثاء ابنه من عيون الشعر (بكاؤكما يشفي وإن كان لا يجدي) .
ابن الأنباري رثى ابن بقية بقصيدة من عيون الشعر (علو في الحياة وفي الممات) ، حتى أن عضد الدولة عندما سمعها تمنى أنه هو المصلوب ، وأن القصيدة قيلت فيه (والقائمة تطول ، ومع هذا لم ينسبها أحدٌ لغير الشعركما فعلتَ) .
رثاء الآباء والأمهات والإخوة والأبناء ، عاطفته صادقةٌ لا تشوبها شائبةٌ ، على خلاف سواه من المدح والنسيب (فلا رهبة ولا رغبة فيه ، ولا صبوة) ، فأيهما أسمى ، عاطفةٌ صادقةٌ لا تشوبها شائبةٌ من رهبة أو رغبة ، أم عاطفةٌ مشوبةٌ بما أريد منها ؟!
لم يتجرأ أحد على جعل الرثاء من أبواب النثر ، أو عدم جعله من الشعر ، وإني لأتساءلُ -وقد بلغ بي العجب مبلغه- أي علمٍ بلغته أهَّلكَ للتفوه بمثل هذا الذي لا يقرُّك عليه إلا من لا علم لديه !
* الكثير من قصائد النسيب لها مناسبات ، فهل لا نعدها من الشعر لأنها قيلت في مناسبة هجر ، أو ظعن ، أو ...؟!