منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - حديث الغمام
الموضوع: حديث الغمام
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-11-2007, 07:01 AM   #3
عبدالله الدوسري
( كاتب )

الصورة الرمزية عبدالله الدوسري

 







 

 مواضيع العضو
 
0 تقطير الضوء
0 ثرثرة
0 رقصة الهياج
0 حصان خشبي

معدل تقييم المستوى: 51

عبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


( 2 )



* زيارة *




وقف يودع آخر صديق كان في السهرة ،،


أنهى ترتيب البيت وأجلى عينيه في أرجاءه فأطبقت عليه الكآبة ،،


تضاعفت كراهيته وتمنى لوحدته النار ،،


وباتت الرغبة في التغيير قوة قاهرة لا تقاوم ،،



* * * * *



لقد فترت متعته في بيوت أخوته ولا تختلف عنها لقاءات الأصدقاء ،،


ذاك جميع جمله تبدأ بعبارة " أم العيال قالت " !! ،،


وذاك سعيد بنجاح ابنه ،،


وذاك اللعين يعلق على انتشار الشيب في رأسه ،،



* * * * * *



الزيارة هي الأمل الباقي الوحيد ،،


تأجيلها أصبح غير محتمل ،،


الصبر نفد ،، والشوق تأجج واشتعل ،، والعزيمة صممت ،،


أقنع نفسه بأنه لا يجوز أن يتلعثم كصبي أو يخجل كمراهق ،،



* *



وفي مساء اليوم التالي ارتدى ملابسه وغادر المنزل بعدما تعطر بشذا الأمل ،،


خمس سنوات انقضت على آخر زيارة كان فيها هناك !! ،،


ولكن واجب العزاء لا يسمى زيارة ،،


لذلك تكون آخر زيارة قبل عشرين سنة انقضت في عذاب الحرمان ،،


بعد تلك العصماء التي بدأها الأب بإتمام الدراسة وأنهاها بتفضيله لابن العم ،،



* * * * * *



طرق الباب وبعد برهة جاءه صوت لم ينساه يوما ً يقول : من ؟! ،،

فقال بارتباك : أنا ،،




أطل نصف وجهها من فرجة الباب وقالت : أنت !! ،، مرحبا ً بك ،، تفضل في المجلس ،،



* *



ذهبت إلى الداخل ،،


بقيت صورتها التي أتمها بخياله ،،


وجه ما زال يقطر بماء الشباب ،،


انهالت عليه الأحلام كالشلال ،،


أقام قلبه واستقر في وادي الراحة السعيد ،،



* *



عادت في جلال الاحتشام وهي تحمل كأس عصير ،، فتناثر الحديث ،،



كيف حالك ؟! ،،


وأنت ؟! ،،


كم تغيرت لم أعرفك في البداية ،،


هموم الدنيا ،،


كيف وأنت لم تتزوج ولم تحمل متاعب مسئولياته ؟! ،،


غربتي أثناء الدراسة ثم عملي الشاق واهتمامي بأخوتي قبل تزويجهم وفجأة وجدت القطار فاتني ،،


ما تزال في عز شبابك ،،



واستقرت عيناه على صورة في الحائط وقال : جميعنا فقدناه ،،


فقالت : لك طول العمر



وأمسكوا عن الحديث ،،


ربما ليستردوا الأنفاس ،،


أفرغ بقية العصير في جوفه وغرق في العرق ،،



* *



فارق كبير بين الحقيقة والخيال ،،


تصور أنه سيوجه الحوار إلى الهدف دون صعوبة ،،


وأنه سيثب إلى جانبها مثقلا ً بأشواق العمر ،،


وأنه ،، وأنه ،، وأنه ،،


وهذا مناخ لجلسة تنضح بالجدية والأدب ،،


والمرأة مصونة لا تسمح بقدح شرارة عبث ،،


وهذه الصورة المطلة عليهما تشاركهما الاجتماع وتصد عنه النزق بل وتغرقه في الحزن ،،



* *



ترى فيم تفكر ؟! ،،


ألم ترد على خاطرها ولو صورة فاتنة واحدة من الماضي الجميل ؟! ،،


هل تهيمن على خواطرها كما تهيمن على سلوكها ؟! ،،


ود لو تطالعه العينان بلمحة تذكر ،،


أو مداعبة ،،


أو حياء عابر ،،


أو ظل ابتسامة تتعدد التفسيرات لها ،،


لكنه لا يرى إلا نظرة رزينة ،،


نظرة قريبة لقريب تلاقيا في خريف العمر ،،


هل انتهت وجفت ينابيعها ؟! ،،



وقال في نفسه : على أي حال لن أغادر بجعبة خاوية إلا من الفشل ،،


ولن أسمح للتردد يحملني الندم إلى ما تبقى من العمر ،،


فيكفي ما حملته من قسوة أبيها ،،



* *



قذف إلى الماء متسائلا ً : هل تضايقك زيارتي ؟! ،،


فقالت بهدوء : أهلا ً بك فهذا بيت خالتك على أي حال ،،


ثم مع تردد واضح قالت : ولكن ،،


أدرك ما تضمر فقال : صدقيني لم أكن أعلم بعدم وجودها عندما أتيت


لاذت بالصمت فقال يائسا ً : إذن تضايقك زيارتي


فقالت بسرعة : لم أقل هذا


فقال بحرارة : منذ وفاة أمي وأنا وحيد ،،


ولكن العذاب حقا ً هو سماع كلمة خالي أو عمي تقال لي من وقت لآخر ،،


لعلها ابتسمت ولكن وجهها تورد يقينا ً وهمست : أنا فاهمة ومجربة ،، خاصة بعد زواج ابنتي ،،


فقال بشجاعة متصاعدة : ستسعدني دائما ً زيارتك ،،


ثم أضاف : وخالتي ،،



ضحكت وآثرت الصمت ،،



* *



فشعر بأنهما انتقلا من عصر إلى عصر ،،


وقال : الوحدة مرة ،، والحياة مرة ،،


أتطلع إلى شئ جديد ،،


حتى أني أفكر في تجديد بيتي بالكامل ،،



قالت : جميل ،،


فقال بجرأة : حتى أني عزمت الزواج !!،،



خيل إليه أنها أجهضت دهشة بلباقة ,,


وتمتمت : الزواج !!



فقال بثقة : إني على أتم ما يكون من الصحة ،،،


فابتسمت في ارتباك وقالت : ربنا يزيدك صحة وعافية


قال : وددت أن أعرف رأيك ؟!

قالت : لم لا ،، مثلك يتزوجون كل يوم ،، بل الكهول أيضا ً ،،





يا للنساء !! ،،


ولكنه قال بمرح : هذا ما قلته لنفسي ،،



قالت : ستسعد أمي حتما ً بالبحث لك عن زوجة مناسبة ،،


فقال : وما الزوجة المناسبة ؟! ،،


قالت : أن تكون قريبة من سنك


قال : ستكون في تلك الحال أرملة أو مطلقة


قالت : وما المانع ؟! ،، فأستاذ جامعي قدير ،، مثلك يحتاج لمن تفهمه لا لمن يكمل تربيتها ،،


فركز بصره الثمل في عينيها الحائرتين وقال : إني أعرف من أريد ولا حاجة إلى البحث ،،



فتساءلت : ماذا تعني ؟! ،،


فقال باستسلام وضراعة : أنت الزوجة التي أريد !! ،،



غضت بصرها وقطبت دون أن تنبس ،،



* *



فرجع يسأل في إلحاح : ما رأيك ؟! ،،


قالت : أهذا سبب زيارتك ؟! ،،


فقال : أي نعم وربي


قالت بصوت متهدج : الزواج لا يمكن أن يخطر لي ببال ،،


قال : دعيه يخطر ،، كان أعز أمانينا ،،


فقالت وهي من الحياء في ضيق شديد : ذاك تاريخ مضى وانقضى ونسي ،،


فقال بحرارة : إنه يعيش معي إلى الآن ويزداد قوة ،،


قالت بانفعال شديد : الحقيقة أنك تتناسى أنني أم وسأصبح جدة ،،


فقال : تزوجت وأنت صغيرة ،، بل صغيرة جدا ،، وكذلك فعلت بابنتك ،،


فغضت بصرها في أسى وهمست : لا تحرمني سكينة القلب ،،


فقال : وأنت لا تحرميني من الأمل الوحيد الذي كان وسيبقى في حياتي ،،



* *



تساءلت وهي تغوص في الحصار : ماذا سيقولون ؟! ،،


فقال : الدهشة تعيش ساعة واحدة ثم يلوذ الإنسان بسعادته ،،


فقالت باستسلام ورغبة في إنهاء الحديث : دعني أفكر ،،



فرأى من المناسب كذلك إنهاء الزيارة ،،



دعته للبقاء مجاملة ولكنه وقف ومد يده للمصافحة ،،



* *



خرج إلى الهواء الساكن متلهفا ً على نسمة من نسائم الصيف ،،


إذا كان الخيال لم يتحقق فإنه أيضا ً لم يتلاش ،،


كان بوسعها أن تجعل من الزيارة الأولى والأخيرة فشعر كأن الحياة تبتسم ،،


ومضى إلى بيته بروح جديدة يكاد يغرق في السعادة



* * *

 

التوقيع

المتشرد

عبدالله الدوسري غير متصل   رد مع اقتباس