منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - [ بعضُ فرح ] ..!
الموضوع: [ بعضُ فرح ] ..!
عرض مشاركة واحدة
قديم 10-10-2019, 08:16 AM   #1062
فرحَة النجدي
( كاتبة )

افتراضي


أنهيت منذ فترة قراءة روايتين اثنتين ( الطنطورية لـ رضوى عاشور ) و ( و رددت الجبال الصدى لـ خالد حسيني ) ، قراءتهما تكفيان أحدنا لأن يسقط في دوامة صمت حداداً على أرواحٍ تعذبت و احتراماً لأحزانهم و شتاتهم الذي لم ينقطع حتى بعد وفاتهم . من فلسطين إلى أفغانستان ، و الله إن المرء ليشعر حيال مآسيهم بتفاهة أحزانه حقاً . حسنٌ قد تكون مجرد أحداثٍ صُفت لتكون كتاباً و لكنها حتماً أحداث حدثت و لرُبما حدث ما هو أبعد منها و أفظع ، فالحرب شتات و ألم ، و لنا في مذكرات الناجين خير شاهدٍ و دليل .

و أنا أقرأ في فراق الأحبة على ضفتي الحرب ، أتذكر ما قالته لي احدى زميلاتي كيف أنها لا تستطيع رؤية أهلها بسبب الحرب . قد تنتهي الحرب الآن أو بعد سنوات ، قد تنتهي الآن و تفقد أحدهم ، و قد يلتم شملهم دون أحداثٍ تراجيدية . ماذا لو انتهت بعد سنوات و فقد أحد والديها الذاكرة تماماً كما جاء في الرواية ، و لم يتعرف إليها ؟!
ثم يطرأ ببالي سؤال : هل هي الحرب أم العمر أم شيءٌ آخر كظروف الحياة الصعبة التي تشبه الحرب من أجل الحياة و العيش بكرامة؟!
جدي الذي كان يبتسم ملئ شدقيّه حينما يراني : "هلا بريحة أمي " لم يعد يذكر ريحة أمه و لم يعد يذكرني ، و لكنه لم يخض حرباً بالمعنى الحرفي إنما هي الحياة .
و مع ذلك ليس الحرب كالسلم ، و ان استعصت ظروف الحياة.

واحدةٌ من تهكماتنا المعتادة ترتبط رُبما بزحمة السير الصباحية و واحدة من تهكماتهم : "مللنا رائحة الدم و الجثث ، متى يتوقف القصف"!
ثم إننا نفقد روحاً واحدة فنموت فاليوم ألف مرةٍ حزنا و ألما و حسرة عليها حتى يشاء الله ، ترى ما الذي يقوله من يفقد أسرته بالكامل اضافةً لأحد أعضائه معهم .؟!

ماذا يقول من استيقظ بعد عمرٍ ليدرك أنه الناجي الوحيد و لم يعد يعرف أحداً ممن حوله و كأنه انتقل بين حياتين منفصلتين علقت روحه في البرزخ بينهما لفترة من الزمن ثم قامت قيامته لوحده ؟!

كُل الذين حصلوا على فرصة للنجاة و ليصنعوا من كفاحهم قصة بطولة كان الحظ في صفهم فقط ، إنما القصص كثيرة و لربما كان هنالك الكثير ممن لاقى حتفه بفظاعة دون أن يذكره أحدٌ إلا كعدد في إحصائية قتلى أو جرحى ناهيك عن المفقودين . و مع ذلك ، أنا أكيدة من أن كل الراحة ما بعد العناء و التشرد لا تمحو أثر الحرب ، فالانسان لا ينسى إنما يشيخ في محاولة لأن ينسى !


إن من عاش هذا الألم ليس كمن يسمع به أو يقرأه و لكن بعض الكُتاب لفرط احساسهم الطاغي و قوة وصفهم و ذاكرتهم المتضخمة بالألم ، ويكأنهم يأخذون بيدك معهم منطلقين في خضم الأحداث ما بين مرتفعات و منخفضات ، ما بين خنادق و مخيماتٍ ، مابين المقابر و الأنقاض ، ما بين برك الدم و كومة الأشلاء و دوي القذائف و اشتعالها ، يا الله !
لقد عشت الحرب و ويلاتها خلال الأيام القليلة المنصرمة، هذا ما فعلته بي القراءة في هذين الكتابين .
.
القراءة ! القراءة تفعل ما لا تفعله كل الأسلحة مجتمعة.
صدق من قال بأن القراءة تفتح لنا عوالم جديدة و تنقل لنا تجارب و خبرات عديدة ، و تأتينا بأخبار فريدة بل عصية على التخيل .

الحمدلله على نعمة الأمن و الأمان ، إنني ممتنة أن ما يعطل نومي هو ازعاج الصغار من حولي و بكائهم الذي سيخفت تدريجيا حالما تحين ساعة نومهم ليلحقوا بهيئاتهم التعليمية في الصباح الباكر و ليس دوي انفجارات و عويلُ ضحايا .

ألا ليت دعاة الحرب و مرضى القلوب يتعظون مما يحدث حولنا ، فالسعيد من وُعظ بغيره !

 

التوقيع



قَدْ سَفِهَتْ عُقولُ بَعْضِ الّناسِ حَتى اعْتَبَروا
قِلَةَ الّتَأَدُبِ مَعَ اللّهِ في أطروحاتِهمْ أَدَباً .!!


.



لله رب العالمين ،
ثابتة على قيَّمي نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


My Facebook
https://www.instagram.com/alnajdi_f/

فرحَة النجدي غير متصل   رد مع اقتباس