منتديات أبعاد أدبية

منتديات أبعاد أدبية (http://www.ab33ad.com/vb/index.php)
-   أبعاد النثر الأدبي (http://www.ab33ad.com/vb/forumdisplay.php?f=5)
-   -   عندما تتفتّح الزهور (http://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?t=21648)

عبدالعزيز رشيد 12-28-2009 12:48 AM

عندما تتفتّح الزهور
 
1 مرفق
Try looking at tomorrow not yesterday*



في خريف احدى أعوام الحرب العالميّة الثانيّة وفي احدى قُرى ايطاليا قام ماركو بتوديع زوجته وابنته الغاليه لوليتا التي لم تجد سببا لارتداء أبيها ذلك اللبس المموّه وهو يودّعهم كانت تقف خلف أمّها وهي تائهة بأفكارها الطفوليّة التي لم تدرك بعد معنى الحرب والفراق كيف لأبٍ رحيم أن يرحل ويترك عائلته إلى ذلك الشيء المسمّى بالحرب؟!

أراد ماركو عناق لوليتا التي امتنعت غضبا , أخفى ماركو حسرته وجذبها إليه وقال:" يابنيّتي ألا تريدين زرع قبلة على خدّ والدك قبل أن يرحل"

قبّلته الطفلة الصغيرة وهي تقول :" أرجوك لاتذهب يابابا"

يجيب ماركو :"عزيزتي هل ترين والد جيراننا أنطونيو أيضا ذاهب ويجب أن أكون معه عندما تكبرين سأحكي لك حكايات كثيرة وسأقول لك كلّ شيء حدث في رحلتي"

وأضاف:" عزيزتي هل ترين القُبلة التي زرعتيها على خدّي سأحرص على أن أسقيها كي تنمو الأزهار عليها" !

ابتسمت الطفلة لوليتا أعجبتها الصورة أحسّت فعلا أنّ ذلك ممكن أن يحدث وكيف أنّها ستكون في غاية السعادة عندما يعود والدها محمّلا بالحكايا ومعه القُبلة التي نمت كزهرة ربيعيّة يزيّنها الندى عانقته وهي تقول:" متى ستعود يابابا "

أجاب ماركو:" نحن الآن في الخريف بنيّتي هل ترين ذلك المكان الذي اعتدنا أن نعتني بأزهاره؟ الآن لاتوجد أزهار متفتّحه بسبب الخريف لكنّي سأعود عندما تتفتّح الزهور لنعتني بها"

فقالت لوليتا:"ستعود عندما تتفتّح الزهور يابابا فعلا؟"

قال :" نعم انتظري تفتّحها وسأعود"

عانقته وودّعته وفي فمه ابتسامة أمل وعانق زوجته وفي فمه ابتسامة رجاء ودعوى فهو يعلم أنّ الكلمات التي قيلت لإبنته لاتناسب أن تُقال لزوجته فآثر الدعاوي مثلها

ذهب ماركو طبعا برفقة الفيلق الايطالي الذي كان يشارك القوّات الألمانيّة في حملته على روسيا بالجبهة الجنوبيّة ,لم يكن وجودهم بالواقع إلا شكلا من أشكال الصداقة السياسيّة الباهتة كان هنالك هنغار وبلغار كذلك ذهبوا كلّهم مع الملايين من جنود الألمان ذهبوا إلى حيث لاتعرف لوتيتا لقد وصلوا إلى ستالينغراد تلك المدينة التي تحمل اسم معركة التهمت الكثير الكثير من الجنود الضعفاء كان هنالك بردٌ يمزّق الدفء ويشعل الأجساد بردا كانت شبح الموت نفسه يعاني البرد لم يكن يستطيع انهاء حياةٍ أحدهم إلا بعد أن يتعذّب طويلا بالبرد!

طبعا وهناك في ايطاليا بعيدا ظلّت لوليتا تطلّ من النافذة لترى تلك الزهور تنتظر أن تتفتّح الزهور, كان خيال أبيها يحوم في ذلك المكان برفقتها كانت تنفخ على زجاج النافذة لترسم زهرة متفتّحة! وكأنّها تقول:"هاهي تفتّحت الزهور يابابا"

وفي الربيع فعلا تفتّحت الزهور انتظرت لوليتا طويلا عند الباب ومن ثمّ اقتربت من تلك الزهور ومعها محفرتها البسيطة التي تنسّق بها حدود بيت الزهور تنتظر أباها كانت معها اثنتين منها على أمل قدوم أبيا هل لكن ماركو لم ياتي؟

ونامت الزهور ونامت لوليتا وهي تقول في نفسها:طهل كذب بابا؟"

وعادت وتفتّحت الزهور من جديد ولم يأتي ماركو والدها فقالت لأمّها:"ماما أبي لايحبّني لقد وعدني وهاهي الزهور تفتّحت ولم يأتِ لقد كذب بابا" قالتها والدموع تخرج من نافذة العين التي كانت صافية كالزجاج قالت والدتها وهي تضمّها :"لوليتا عزيزتي أبوك لايكذب وهو صادقٌ عندما يكذب!"

كانت تلك الكلمات مبهمة بعض الشيء واعتبرتها لوليتا مثل حكاية الزهرة التي ستنمو على خدّ أبيها من بذرة قبلتها

وعاااااد أنطونيو ! , قالت لوليتا:"ماما عاد العمّ أنطونيو أين بابا" حبست الأُم دموعها وقالت:" لم يأتِ بعد يابنيّتي" رفضت لوليتا تصديق ذلك وركضت بعيدا وهي تبكي وتقول في نفسها:" تفتّحت الزهور ولم ياتِ بابا وعاد أنطونيو ولم يأتِ بابا لماذا رحل معه ولم يأتِ معه هو لايحبّ ابنته مثل أنطونيو"

ومرّت السنين ولوليتا تعتني بتلك الزهور وترقب تفتّحها بعد كلّ شتاء كانت تلك عادتها كان ذلك يذكّرها بأبيها على الأقل كان يأتي بطيفٍ يشبهه كثيرا مرّة بالعام كان ذلك يكفيها لتحسّ بحنان والدها العزيز , إلى أن تزوّجت ولازالت على عادتها الطفوليّة وهذه المرّة برفقة ابنتها الجميلة أوليفيا

كانت أوليفيا تلعب وهي تقترب من أمّها وتلامس بطنها المنتفخ بالحياة كان الفصل خريفا وكانت لوليتا تقريبا في بدايات الحمل قالت أوليفيا وهي تداعب بطن أمّها وترسم ابتسامة طفوليّة مكوّنة من نقطتين العين وقوس ابتسامة تشبه تقوّس قوس قزح وهي تقول:" ماما قلتِ لي سيكون لديّ أخ متى سيأتي ياماما؟"

أجابت لوليتا والدمعة تترقرق وهي تتذكّر كلمات أمّها الراحلة والدموع تترقرق من عينها :"لوليتا عزيزتي أبوك لايكذب وهو صادقٌ عندما يكذب!" وقالت :" سيأتينا ماركو العزيز عندما تتفتّح الزهور عندها ستزرعين قبلتك على خدّه"
صدقت والدتها لم يكن والدها يكذب
http://www.youtube.com/watch?v=bZm8B...layer_embedded



* من أغنية: VIVERE
دويتو : ANDREA BOCELLI وLAURA PAUSINI
الكلمات الأصلية : GERARDINA TROVATO
الكلمات الانجليزيّة : EUGENIO ANASTASIO




الصورة :Bioray

بثينة محمد 12-29-2009 02:23 PM

جميلة جدا ..


استمتعت بقرائتها :)

د. منال عبدالرحمن 12-29-2009 02:24 PM

هناكَ ربيعٌ واحدٌ لم يأتي و تلاهُ الكثير , لعلَّهُ الانتظارُ من أخّرَه و كثيراً ما يفعل ..

الحياةُ تبخلُ علينا بربيعٍ فنذكرهُ و تمنُّ بالكثيرِ من دفءِ الصّيفِ و ننسى ..

شُكراً عبد العزيز

دمتَ مختلفاً .

وَرْد عسيري 12-29-2009 02:26 PM




صُعبَت عليْهَا براءَتُها فبَكت دمعة أُمِها .. لم ينجحِ النسيانُ فِي تضبِيبِ أبَاهَا .. و لم يهدِها إلا الإدراكُ .
و نحنُ هُنا يَا عبدالعزِيز فرحُون إذ أنك تمنحُ الحُضُور نُوراً ، و الكتَابة عِطراً ، أنت هُنا بيُسرة السِردِ و و وفرةِ
الشُعور و نكهةِ Dare to live .. تُترفُنا للحدِ الذي نشتهِي فيه قراءَة أخرى بُحزن لوليتا و فرحنَا نحن بك .

-

نفع القطوف 02-13-2010 12:56 AM

عبدالعزيز رشيد

الزهور

عندما تدرج بالأشياء
تختلف
ويختلف وقت أزدهارها

والربيع لا يغدو موسماً يحتكر تفتحها
فقد تنبت زهرة في الشتاء البارد والصقيع

نص وفكر يرافقهما الشذى

أكثر من زهرة تليق بمقام حرفك


نفع القطوف


الْنَّدَى عَبْدِالْرَّحْمَن 02-16-2010 12:10 AM

*
وفقت في سرد الحَدث ... وبثقت نور الأنتظار ...
لأنك نزلت نبوة التأمل فيني: وسحر أًصبعي وأنا اضعه على قلب تلك الطفلة ..:ويدي الأخرى علىّ خدّ الدهشه ... فِكلّ كلمةُ تعني لِ انتظار موْجع ...
"عبدالعزيز"
نعم: تفتح الزهور.. أيها الغيم الماطر:34: ..

عبدالعزيز رشيد 08-31-2010 02:15 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بثينة محمد (المشاركة 571697)
جميلة جدا ..


استمتعت بقرائتها :)

أسعدني حضورك يابثينة.
تسلمين.

فرحَة النجدي 09-01-2010 06:40 AM




و مع نهاية كل فقرة أقول : الآن يأتي و تسأله أين الأزهار على خدك .؟! أين أثر القبلة :(
و حقاً كان صادقاً و أدركت صدقه حين بقيت تتقلب أسىً على شفير الإنتظار ..

أو تعلم يا عبدالعزيز ، يأتي ماركو الصغير ويتكرر و لكن حتماً لن يعوضها عن ماركو الكبير ،
لا أحد يخطف الأضواء المسلطة على الأب في قلب أي أنثى سوى الأب نفسه !
تبقى الأنثى مهما تقدمت بها السن تشعر بأنها طفلة كلما احتضنها والدها مربتاً على كتفها بحنان وكلما سقطت في حجره باكية ..



تعلم رأيي بما تكتب يا عبدالعزيز ،
شكرا لك :34:




الساعة الآن 03:02 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.