منتديات أبعاد أدبية

منتديات أبعاد أدبية (http://www.ab33ad.com/vb/index.php)
-   أبعاد القصة والرواية (http://www.ab33ad.com/vb/forumdisplay.php?f=33)
-   -   ريما | يوميات (1) (http://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?t=33356)

عائِشة محمد 03-17-2014 01:48 AM

ريما | يوميات (1)
 
امتلأتْ معدتي بالهواء الفارغ. فتمتماتي اليوم ليست كعادتها، لقد فاقت معدلها المعتاد! قد أطلت الحديث على نفسي لدرجة أني لم أدرك خلاء المكان من الصوت و من قريناتي في وقت بدى لي كأنه قصير. أصبح الأمر يستحق النقاش الفوري، فلا أدري كم من الوقت قضيته أتحدثُ على نفسي تارة و أحادثها في أخرى. أيعقل أن جننت؟ أوَ فقدتُ الإحساس بالوقت؟ أيعقل حقاً أني بدأت لا أشعر بالوقت نتيجة جلسات الحديث الطويلة التي أمارسها على نفسي في أوقات الدوام الجامعي؟ لا أظن ذلك! فأنا لازلت أفهم الدرس و أحل الواجب و أقدم المشاريع بشكل متكامل أستحق عليه ثناءً مطولاً. لازلت أستطيع مراوغة زميلاتي في حديثهن هرباً بهن إليهن! لازال الناس يفهمونني و إن كان معظم فهمهم لي خاطئ و بشكل خاطئ بسبب عقلي النص واعٍ لم يدندن, لكنهم في النهاية يفهمونني و هذا يعني أنني لم أجن بعد! أظنني لا زلتُ بخير!

قالت مريم البارحة في مجموعتنا للمراسلات الفورية و أظن أنها عنيت ما تقول؛ ريما جنت يا بنات! فهل من المعقول أنها على حق؟ أظنها كانت تعني ما تقول! أ كانت تقول حقيقة حاصلة؟ أم أنها أرادت فقط إغاظتي و جعلي أصمت بشكل تام لتكمل شتائمها المتضاربة لمجتمع الجامعة و مرتاديها من موظفين و موظفات، طلابٍ و طالبات و من هم بلا شرع جامعي في ارتيادهم للجامعة؟ أم أن في الأمر خطأ لم أنتبه له؟ أفمن المعقول أن ريما جنت حقاً؟ لازلت لا أظن ذلك فأنا لايزال باستطاعتي محادثتك يا ريما بكل سلاسة و لازال باستطاعتي خدعك في نصف دقيقة كالمعتاد! أنا سليمة! الأكيد أني على أقل تقدير شبهُ سليمة! شبه مجنونة! الحقيقةُ أني أنصاف! شبه سليمة و شبه مجنونة !

تساءلت، أين اختفى كل ذلك الضجيج المزعج الذي كان هنا قبل قليل؟ أم أنه أنا من أصيب بسوء فلم أعد أتمكن من سماع الضجيج مجدداً؟ هل أصبحتُ صماء من جديد! و فجأة دون سابق إنذار من جديد؟ هززت براسي يميناً و شمالاً أرمي بتلك الأفكار المريبة الغريبة بعيداً عني، فليس من المعقول أن أصاب بالصم فجأة و في مجلس و وقت هكذا من غير أي سبب عرفته أم لم أعرفه!

رفعت رأسي لأرى ما الذي يجري من حولي ، فما وجدت من شيء كان كما كان في سابق حال! لم يعد هنالك أستاذة تزج المكان بصوتها الحاد المثير للاشمئزاز، محاولةً بكل ما أوتيت من صبرٍ أن تأدي رسالتها متجاهلةً حقيقة عدم وجود أحد منتبه لما تقول و تتمتم؛ و أن الكل تقريباً قد تجاوز مراحلاً في تجاهلها من شدة الملل الذي تحمله معها كلما أرادت الحديث لتوصيل معلومة ليست بالجديدة علينا نحن المستمعون المتجاهلون بفخر لها! لم يعد هناك طالبات يوشوشن الحديث تمريراً للوقت المليء بالممل كما يفعلنَ في كل مرة أكثر من مرة! لا وجود لنغمات الهواتف النقالة التي تنخر الأذن في كل لحظة مصطنعة الصدفة! بعزف و نغم جديد متفاني في الإتقان اصطناعاً لصدفة أيضاً! معلنة عن وصول رسالة جديدة أو حب جديد أو ما شابه.

المكان خالٍ تماماً. لقد انتهت المحاضرة منذ وقت طويل و أعتقد أنه أنا التي من استوعبت الأمر متأخرة كعاتي و ميزتي “التأخر دوماً في كل شيء”. يا ترى أين كنت؟ مع من كنتُ أدندن و هم يغادرون المكان بأعدادهم الهائلة؟ بما انشغلت لهذا الحد عن الغبار الثائر من حولي؟ قد وصلت من الانعزال اللحظي لمرحلة لم ألاحظ فيه مرور عدد كبير من الكائنات بجانبي! بما كنتُ أفكر يا ترى؟

ابتسمت. بدأت أرتب أشيائي المبعثرة في المكان بشكل يدعو للتأفف على مهمة التنظيف القادمة. أوراقي القليلة النصف فارغة. لقد ملأت فعلاً معظمها بكتابات مطولة لا فائدة منها في الغالب كما أفعل معظم محاضراتي الجامعية إن لم تكن الكل!

حدثَ و أن حملتُ قلمي، ورقي، أوراقي، هاتفي المحمول و حقيبتي. بدأتُ أتثاقل في الوقوف. كنت أحاول أن أستغرق أطول وقتٍ ممكن في الوقوف قدر ما أستطيع. أي أنه بمجرد وصولي لباب القاعة سيتوجب علي حتماً الذهاب لرؤية نتائجي لبضع مواد. فمن جهة أنا لا رغبة لي برؤيتها و لا رغبة لي بالشعور بتلك الصدمة التي ستعتليني حين أراها مهما كانت مفرحة أم غير مفرحة! و من جهة أخرى يتوجب علي رؤيتها و الاطلاع على نتائج جهدي المبتذل طوال مرحلة دراسية سابقة، فلقد أرغمتُ بالموافقة على رؤيتها بعد حديث مطول دار بيني و بيني في ليلة الأمس! لقد كان حديثاً صعباً ثقيل الوطء عليّ؛ و قد انتهى بموافقتي رغماً عني!

قد مضى على ظهور النتائج ما يقارب الشهر و نصف الشهر و خلال كل تلك المدة و أنا أتجاهلها و أشغَل نفسي بأموري الأكثر أهمية من معرفة تلك النتائج! لكن يبدو أني مجبرة على رؤيتها اليوم رغم عدم رغبتي التامة بالمعرفة حول الأمر. ليس أمامي خيار سوى أن أمارس المماطلة و بشكل عنيف و هذا ما سأفتعله و أفعله الآن.

وقفت. و أخيراً وقفتُ و بعد تثاقل طويلٍ استلزمت فيه عملية الوقوف مني مدة تزيد على الوقت الذي اقضيه عادةً في كتابة رسالةٍ ما في حال جيد و وقت جيد و ذهن جيد. لقد أطلت الوقوف فعلاً هذه المرة!

ما من وسيلة تساعدني في ممارسة المماطلة و اتقان فن المماطلة و خصوصاً مماطلة الوقت بشكل فعال الا عملية التثاقل تلك و الإطالة فيها. إني كثيراً ما أمارس التثاقل و كثيراً ما أماطل الوقت.

أسقطت كل شيء من يدي بعدما انهيتُ عملية الوقوف بنجاحٍ تام. اسقطت كل شيء متعمدة لأعيد التقاطها و ترتيبها من جديد و هذه المرة أتعهد و أقطع لنفسي وعوداً أني سأستغرق وقتاً أطول و سأماطل أكثر.

ها أنا ذا واقفة مكتفيةً من المماطلة لحد مشبع. وقفت كثيراً و أسقطت أشيائي مراراً و تكراراً لحد أشعرني بالرضى و الانتصار. اكتفيت، ابتسمت، حاولت التراجع للوراء قليلاً فمحاضرتي ستبدأ بعد أقل من دقيقة. عدت لمقعدي و أنا أشعر بالرضا التام على نفسي و منها في الوقت ذاته. كأني أنا تلك الطالبة التي هربت مسرعةً منذ ما يقارب العشر دقائق حين أعلنت المحاضرة نهايتها، لتمضي لخارج القاعة تطلب كوباً ساخناً من القهوة التركية و يسيراً من الأكل ما يمكن له إسكات جوعها و الربت على معدتها. كأنني تلك التي أنهت أكلها و عادت للقاعة مسرعة كيْ لا تدع شيئاً يفوتها و لا تتأخر عن المحاضرة أبداً! فالوقت بين المحاضرتين قصيرة و لا تتسع لوجبة إفطار متكاملة و صحية و مشبعة في الوقت ذاته؛ و لا لمَ يسكتْ الجوع أيضاً. جعلت نفسي أبدو كتلك الطالبة أمام نفسي! فأنا في حقيقة الأمر لم أتحرك من مكاني خلال العشر دقائق الماضية سوى بضع مليميترات لا تصل مبلغ الحسبة! كنت منشغلة، محاولة الانتصار في معركة قوية عنيفة مع الوقت! كنت أقوم بالمماطلة بشكل مريع!

نجحت، فلحت في المواجهة، لم أخرج من المكان و في المحصلة لم أرى النتائج المطلوبُ مني رؤيتها! ها هي المحاضرة تبدأ الآن دون الخضوع تحت وطئة الإجبار مرة أخرى. ألا يعتبر هذا انتصاراً ساحقاً جديراً بالاستذكار؟

من أمري أن أستغل كل ضغط أتلقاه، كل كره أستشعره، كل عطاء أسقاه، كل انكسار أرتكبه، كل ايماء أترجمه، و أصرف أمري و أحله. من أمري أن لا أفوت ما يهمني أو ما يوصلني لمبلغٍ ما.

في بادئ الأمر كنت أحاول تمرير وقت المحاضرة الأولى دون فعل ما هو مهم. أضعت الوقت الذي كان باستطاعتي تمريره بما هو مهم و واجب انهائه. تناسيتُ فعلتي في الوقت ذاته متعمدة، و استذكرت الآن في منتصف الربع الأول من المحاضرة الثانية أنه علي انهاء كتابة رسائلي الست في وقت مبكر لتتمكن رسائلي الست تلك الحصول على مقعدٍ لها بين الرسائل في يد ساعي البريد و لا أتأخر في ايصالها له.

بدأتُ أصنف ما أشعر به، أرتب ما أتلقاه لا ما يأتيني لأصحاب الرسائل الست. لمن أبتدأ؟ و بمن أنتهي؟ على من أرتك ؟ و بمن أبتكر؟ حاولت التسارع من أمري و في فكري و ابتدأت.

- ريما !

- أوه

- نبدأ نقرأ ؟

- أوه

- نبدأ نكتب ؟

- أوه

- بالترتيب ؟

- أوه، بترتب الحب.

- أوه.



يتبع

إيمان محمد ديب طهماز 03-17-2014 08:12 AM

خزانه : اسلوب شيق

ونص ذو نفس طويل وممتع

جميلة الحروف سلم يراعك

مودتي

عائِشة محمد 03-17-2014 08:35 AM

ايمان محمد ديب / رُعيت و تحية

عبدالإله المالك 03-17-2014 10:06 AM

ولهذه الرسائل الست
وردات ست أيضًا

خزانة علم وفكر أنت
:)

عائِشة محمد 03-19-2014 01:20 PM

عبد الإله المالك/ شكراً للطفك


الساعة الآن 07:56 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.