منتديات أبعاد أدبية

منتديات أبعاد أدبية (http://www.ab33ad.com/vb/index.php)
-   أبعاد المقال (http://www.ab33ad.com/vb/forumdisplay.php?f=6)
-   -   {] صِناعةُ الأخلاق [} (http://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?t=11674)

عبد الله العُتَيِّق 06-19-2008 06:48 PM

{] صِناعةُ الأخلاق [}
 

[] صِناعةُ الأخلاق []

" لا يَخلو جسدٌ من حسد "
الحسن البصري

الإنسانُ مظهرٌ و جوهر ، و مبنى و معنى ، و ذاتٌ و صفاتٌ ، و جِسْمٌ و وَسْمٌ ، و امتيازُه بتحقيقِ الحقيقة الإنسانية ، و الأخلاقُ تلك الحقيقة ، سواءً كانتْ أخلاقاً باطنةً أو أخلاقاً ظاهرةً ، فليسَ الشأنُ إلا في جوهرية الأخلاقِ و في سِرِّ إيجادها ، و لم تكنْ من جملة المناقبِ إلا بذلك .
فمن الأخلاق ما يكون غريزةً في نفسِ الإنسانِ محاسنها و مقابحها ، و يزدادُ النعتُ بهما عند التوظيفِ ، فكما هي مفطوراً بها الإنسانُ كصفةٍ و خُلُقٍ كذلك مفطوراً بوصفها ، و ذاك عند أغلب الناسِ ، و ليس شيئاً مُطَّرِدَاً في كل حالٍ و لكلِّ أحدٍ .
كذلك من الأخلاق والصفاتِ ما هو مكتَسَبٌ ، يُنالُ بالدُّرْبَةِ و الممارسة ، فعندما يأخذُ الإنسان بصفةٍ _ ليكون مُتَّصِفاً بها و موصوفاً عند الذكرِ بها _ ممارساً لها في أحواله بعد معرفته بها يجعلُها مُصْطَبِغَةً فيه فيرتقي إلى أن يكون موصوفاً بها و كأنها فِطرةً فيه ، يُرَقِّيْهِ ارتقاؤه إلى حقيقة الصفة أن يكون غائصاً في أعماقها و أسرارها ، فيُدركُ بذوقِ الحالِ ما لا يكادُ يكون مُصَدَّقاً عند أحد ممن لم يَصِلْ إلى ما وصَل إليه ، و ذا في كلِّ صِفة ، فليسَ إلا تعلُّقٌ ثمَّ تخلُّقٌ ثُمَّ تحقُّقٌ ثمَّ تَعَمُّقٌ ثمَّ تذوُّقٌ .
و قد يُدركُ أسرارَ الصفاتِ و الأخلاقِ بالاكتسابِ من لم يُدركها بالغريزة و الجِبِلَّة ، حيث الاعتبارُ بالفعلِ الظاهرِ ببعثِ الباطن ، فلا تنبع عينٌ إلا بدفع باطن الأرض ، و لا تبدو أخلاقٌ حِسان و لا صفاتٌ كاملة إلا بصناعة باطنِ الإنسان إياها ، و على ذلك كان التعويلُ .
جاءت الأديانُ مُتَمِّمَةً حِسان أخلاقِ الناسِ ، و ذاك في صناعتها توظيفياً مُترتِّباً على باعثِ الدينِ ، و باعثُ الدينِ الأخلاقي جاءٍ من استجمالِ الناسِ محاسِنَ التوظيفِ الخُلُقي ، و إقرارُ الأديانِ محاسِن الأخلاقِ لم يَكنْ إلا لِما أدركتْه من جمالٍ في بناءٍ للذاتِ الإنسانية و لما تقوم به من تحقيقِ مقاصد الشرائع ، و ذاك الجمالُ المَرْضي به عند الناسِ قَبْلَ الأديانِ من وَحي الغرائز الصحيحة السليمة ، و غرائز النفوسِ لا تصِحُّ إلا بِصِحةِ النفسِ و الروحِ ، و القلبُ حادٍ و حاكمٌ .
فأخلاق الإنسانِ لا تَميلُ إلى سُوءٍ أو حَسَنٍ في ذاتها ، بل هي شيءٌ صِرْفٌ لا تحملُ شيئاً ، و لا تصطبغُ فيها صِبْغةٌ إلا من جرَّاءِ توظيفِ الإنسان ، فإن كان توظيفه إياها في المحاسن و المحامد كانت محمودة ، و إن كان في المقابح و المذامِّ كانت مذمومة ، فغالبُ العيبِ في الصفاتِ من قِبَلِ وضعِ الإنسان لها في غيرِ موضعها ، و كذا المدح من وضعها في موضعها اللائق بها .
كثير من الأخلاق يَميلُ وصفها إلى الحُسْنِ ، و لا تقبلُ إلا وضعها في المحاسن ، حيثُ كانتْ ميَّالةً نحوَ ذلك ، و يتَّصِفُ بها الكثير من الناس لدواعيها هيَ لا لطلبِ الإنسان التخلُّقَ بها ، و صفات أُخَر في منأىً عن الحُسْنِ و ميلٍ نحو السوءِ و لو سَعى إلى تحسينها في توظيفها الإنسان لعاد خاسئاً و هو حسير ، و تُمدَحُ بالحُسْنِ مجازاً و ووصفاً للحالِ لا للذاتِ .
يَصنع الإنسان الأخلاقَ بتوظيفها لا بالنعتِ بها ، فليس الصبورُ ممدوحاً بذاتِ الصفةِ و الخُلُقِ إذا كان واضعاً إياه في غيرِ محلِّه ، و يُمدَح الجَزِعُ بالصبرِ إذا تصبَّرَ في محلِّ الصبرِ ، كذا الشجاعةُ فليس شجاعاً من أظهرها على ضَعيفٍ و ليس جباناً من جبُنَ عن قَوي ، فكان الأولُ متهوِّراً أو شجَّعَه ضَعفِ الخصم ، و الآخرُ شُجاعاً لعدم أهلية الحالِ ، و الشجاعةُ إدراك الشجاعِ الربحَ و الفوز لا القوة .
كلُّ خُلُقٍ لا بُدَّ من صناعته في مناسبته الحالَ التي يقتضيها ، فلكلِّ خُلُقٍ وظيفة لا تكون إلا في وقتٍ يتطلَّبُها الحالُ ، و فواتُ وظيفةُ وَقْتِ الخُلُقِ سُوءُ خُلُقٍ ، و أسرارُ الأخلاقِ تكمُنُ في وظائفها ، و لكلِّ وقتٍ وظيفته .
تصنُّعُ الأخلاقِ يقتضي من المُتَخَلِّقِ أن يكون فَطِناً لأهليته للخُلُقِ ، و أن يأخذ الخُلُقَ بِحقِّه ، و يَعهدَ إلى نفسِهِ حفظَ الوظيفة العملية للخُلُقِ ، فالأخلاقُ أمانات مُستودَعَةٌ ، و تضييعها جريمةٌ كونية .
فسِرُّ الأخلاقِ الحسَنةِ في حُسنِ توظيفها لا في تحسينِ توصيفها ، فالوصائفُ عابراتُ دورٍ ليس لهُنَّ قرار و لا عليهنَّ تعويل ، و الدعوى الخُلُقِيَّةِ لا تقوم إلا على برهان اليقين .
عبد الله
13/4/2008

تركي الحربي 06-19-2008 06:58 PM


مساء الخير

الشجاعه هي مغامره غير محسوبة النتائج ، وقد يستطيع جبان أن [ ينتصر ] على شجاع إن كان يملك بعض الخُبث والذكاء ! : لإنه سيراهن على من يفعل ولا يتحدّث ! ، الشجاع لا يعترف بالنتائج لإنه إن فكّر بها فقد الصفه خاصّته !


مقال رائع
، هي مداخله لـ مناقشة صفه
، من وجهة نظر شخصيه


إحترامي وتقديري

فاطمة العرجان 06-20-2008 02:48 AM

الأخلاق صناعة سماوية..
الأخلاق كما كل شيء خلقه الله..
يكونه في أحسن تقويم ويترك لخلقه حيرة استخدامه
وتذليله بحسب مواقفهم..
يقول أحد السلف رحمهم الله "حسن الخلق شيء هين
وجه طليق وكلام لين"..
:
:
أستاذ عبدالله..
يستهويني كثيرا ما أقرأه لك..
تقبل تواضع وجودي في شموخ متصفحك..

عبد الله العُتَيِّق 06-20-2008 02:59 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة تركي الحربي (المشاركة 297025)

مساء الخير

الشجاعه هي مغامره غير محسوبة النتائج ، وقد يستطيع جبان أن [ ينتصر ] على شجاع إن كان يملك بعض الخُبث والذكاء ! : لإنه سيراهن على من يفعل ولا يتحدّث ! ، الشجاع لا يعترف بالنتائج لإنه إن فكّر بها فقد الصفه خاصّته !


مقال رائع
، هي مداخله لـ مناقشة صفه
، من وجهة نظر شخصيه


إحترامي وتقديري

الراقي : تركي الحربي .
تحيةٌ إليك هائلةً في علوها ..
وجهةُ نظرٍ راقية ..
في " ديوان المعاني " لأبي هلال العسكري عن الشجاعةِ : أنها وُثوقِ المرءِ بعدم الخسارة لا بكونه غالباً .

تحيتي لك ..

عبد الله

عبد الله العُتَيِّق 06-20-2008 03:04 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاطمة العرجان (المشاركة 297134)
الأخلاق صناعة سماوية..
الأخلاق كما كل شيء خلقه الله..
يكونه في أحسن تقويم ويترك لخلقه حيرة استخدامه
وتذليله بحسب مواقفهم..
يقول أحد السلف رحمهم الله "حسن الخلق شيء هين
وجه طليق وكلام لين"..
:
:
أستاذ عبدالله..
يستهويني كثيرا ما أقرأه لك..
تقبل تواضع وجودي في شموخ متصفحك..


الراقية : فاطمة العرجان .
تحيةً ممنوحةً من رياضِ الفكرِ إليكِ ..
هي موادُ خامٍ يضعها الله في خلقه ..
و الحكم على التوظيف لا على التوصيف ..

أشكرُ لك مرورك الكبير الذي شَمَخَ به حرفي ..
عبد الله

أصيله المعمري 06-21-2008 07:06 AM

نحن قوم
لا نصنع الأخلاق
ولكنها تصنعنا
يا عبدالله
على الرغم من أنها هي من الأشياء التي نكتسبها دوماً
ولكن ليس من الضروره أنها تكتسب شيئاً بنا :)



عبدالله العتيق : قلم يجب أن نقف عنده كثيراً


تقديري
و ودي الذي لا ينتهي

أسمى 06-21-2008 07:19 AM

أجل..
الحلم بالتحلم والعلم بالتعلم..
ولا إضافة على ماقلت سوى
قوله صلى الله عليه وسلم
(مامن شئ أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من حسن الخلق) رواه الترمذي.
"


كـ ماهو دائماً حرفك.
ماتعٌ
نافع.
..حدّ الـ لاحد.
"

سلطان ربيع 06-21-2008 12:04 PM

يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم :
"إنما أتيت لأتمم مكارم الأخلاق"
والنفس البشرية أمارة بالسوء , فهنا جاء حديث المصطفى لـ يوضح لنا هذا الفراغ
ويحاول وضع حجر إكتماله ونحاول نحن جاهدين في التمسك بما قال وفعل ما فعل .

المغريات كثيرة والملذات تحجب رؤية العقل أحياناً
فمن كانت علاقته بـ أخلاقة متينة وأستطاع إيجاد مناخ جيد للتعامل معها وفق ظروف أي مرحلة
لا يندم إن شاء الله
أما غير ذلك مما نراه في يومياتنا فهو بداية النهاية
عالم تقرب من كذب , وتبعد من صدق
وأخرون يسمون الخبث فطنة , ويحقدون بدون أدنى مبرر

كثيره هي النماذج يا عبدالله
وكثير هو الهم

تحية مع صادق الود لحرفك الزاخر .


الساعة الآن 06:23 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.