منتديات أبعاد أدبية

منتديات أبعاد أدبية (http://www.ab33ad.com/vb/index.php)
-   أبعاد النثر الأدبي (http://www.ab33ad.com/vb/forumdisplay.php?f=5)
-   -   تَحْتَ الْأَزْرَقِ بِقَلِيْلٍ | محمد البلوي (http://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?t=34373)

محمد سلمان البلوي 10-28-2014 10:44 AM

تَحْتَ الْأَزْرَقِ بِقَلِيْلٍ | محمد البلوي
 
تَحْتَ الْأَزْرَقِ بِقَلِيْلٍ

أكبرُ من شكِّكَ يقيني،
وجنوني أكبرُ من جنونكَ،
وأشهى من كلامكَ؛
هذا الكفنُ الكفيفُ في عيوني،
وضميركَ.

أنتَ لا ترى التَّفاصيلَ، كما تدَّعي،
ترى الشَّجرةَ،
وأرى الغابةَ،
التَّفاصيلُ كلُّها في رؤيتي،
ورؤيتكَ ناقصةٌ
ن
ا
ق
ص
ة.

لنتَّفقْ إذنْ:
كُنِ الرَّغبةَ، وسأكونُ الغابةَ،
لا فأسَ ولا منشار،
فقط يدكَ العارية وثماري الناضجة؛
لتكونَ المطاردةُ عادلةً،
والموتُ طبيعياً؛
ما أمكن،
إنْ أمكن.

لماذا أكتبُ كلَّ جملةٍ في سطر؟
لا أدري،
ربَّما لأنَّه التَّوزيع البصري للكلمات بهذا الشَّكل
يُريحني،
ويُبهجني،
وربَّما لأنَّها البعثرة تُعجبني أكثر.

(لا أدري)،
يا لها من جملةٍ ساحرةٍ
فاتنةٍ!
لا يعلمُ فعلَهَا الشِّعري فينا؛
إلَّا مَنْ كانَ يدري
بأنَّه –حقَّاً- لا يدري!.

عموماً...
ستتركُ ليدكَ حرِّيةَ الكلامِ، ولعينيكَ حرِّيةَ البحثِ في صمتِهَا عن مصدرِ حزنِهَا، وفي صدرِهَا عن صورةٍ قديمةٍ لرجلٍ كانَ يُحبُّها، ثمَّ قتلتهُ الحربُ؛ قبلَ أنْ تُصارحَهُ بحبِّها، المرأةُ التي تجلسُ وحيدةً، هناكَ، في رُكنِ المقهى، ستفعلُ كلَّ هذا وأكثر؛ إنْ أنتَ سألتَهَا عن سرِّ وحدتها، دونَ أنْ تَنِبسَ بِبِنْتِ شَفَةٍ، دونَ أنْ تلتفتَ إليكَ، أو تنتبِهَ إلى أنَّكَ هو.

- تُشبهُ حاجةُ المرأةِ لقلبٍ يُحبُّها؛ حاجتَهَا إلى طفلٍ من رحمِهَا؛ ستُحافظُ عليه جيِّداً؛ ما دامَ -وإنْ ماتَ- لها.

- ويتوقُ الطِّفلُ في الرَّجلِ إلى أنْ يجعلَ من المرأةِ دُمْيَتَهُ، إلى أنْ يمتلكَ كلَّ ما في يدِهَا من أشياء؛ حتَّى المرأة ذاتها.

- هل غرَّدَ الملحُ على كتفيكِ؟ هل حطَّ –يوماً- ملحكِ على كتفِ أحدٍ؛ ثمَّ ابتسمَ؟

- ليس الآن، ربَّما بعدَ عامٍ، أو أقل، ربُّما بعدَ عُمْرٍ أو عُمْرَيْن؛ سيصيرُ للحزنِ معنى آخر، وللصَّمتِ مذاقٌ مختلفٌ! هل ضحكتكَ مالحةٌ إلى هذا الحدِّ؟

- هل قلتُ شيئاً يُشبهُ البكاءَ؟ هل قلتُ شيئاً فيه من فرطِ الشَّقاءِ ما يُشبهُ الضَّحكَ؟ فلماذا تضحكينَ عليَّ –إذن- وتبكين في آن؟! هل ترينني حزيناً؟ سعيداً؟ مصلوباً بين اليأس والرجاء؟ هل ترينَ فيَّ شيئاً فيه من رحابةِ روحكِ فسحة ومن شذاها نفحة؟ هل ترينني أصلاً؟ فأنا –صدقاً- لا أراكِ! وإنْ كنتُ أحفظُ -عن ظهرِ نسيانٍ- وجهك الجميل، ومُغمضَ العينينِ أراهُ؛ كهذا الوشمِ الغائرِ في ظلِّ الضِّياء!.

- السَّعادةُ لا تضحكُ؛ بل تتظاهرُ بالضَّحكِ، تُربِّتُ على أكتافنا بفرحٍ؛ وهي تبكي، تنفضُ الغبارَ عن أسمائِنَا بفرحٍ؛ وهي تبكي، تمسحُ الـ آهَ عن أصواتِنَا بفرحٍ؛ وهي تبكي، تغسلُ الصدى عن صمتِنَا بفرحٍ؛ وهي تبكي، تُقشِّرُ الصَّدأَ عن صدورنا بفرحٍ؛ وهي تبكي، وبفرحٍ تبكي؛ وهي تُعيدُ إلينا أشياءَنَا، وتملأُ الفراغاتِ الصَّارخةِ بين أصابعِنَا وأضلاعِنَا، وتُدغدغُ بالحلمِ النَّاعمِ أرواحَنَا، وبالأملِ اللَّينِ أوقاتَنَا، ومعنا ترقصُ وتُصفِّقُ وتُغنِّي؛ حتَّى آخر دمعةٍ في أحزاننا، حتَّى آخر شهقةٍ في أنفاسها.

- لا أُصدِّقُ امرأةً تقولُ: إنَّها تتذكَّرُ كلَّ شيءٍ، ولا رجلاً يقولُ: إنَّه نَسِيَ تماماً. نفقدُ قطعةً منَّا حين ننسى، وفي غيابنا نحتفظُ بهم -جميعاً- ونفقدنا. تُرى ماذا ستكونُ حالنا لو أَنَّهم قرَّروا الغيابَ عنَّا فجأةً؟ سيكونُ حضورُهُم فينا كاملاً.. كاملاً، وكاملاً سيكونُ غيابُنَا. هنا، في يدي اليُمنى، أحملُ ضحكتَكِ الباكية ودمعتى الضَّاحكة، وأنتظرُ حدوثَ شيءٍ ما، أيَّ شيءٍ، كأنْ نلتقي مُصادفة في روايةٍ ما، تعبرينَ الفكرةَ كسنبلةٍ، وكغيمةٍ أعبرها بغتةً؛ فيُبلِّلكِ قطري، ويكسوني أخضركِ، ثمَّ تلفنا اللحظةُ برداءِ الدَّهشةِ البيضاء:

- أهذهِ أنتِ؟
- أهذا أنتَ؟
- لا.
- لا.
- تُشبهكِ كثيراً!
- يُشبهكَ كثيراً!
- إلَّا أنَّها أجملُ منكِ بكثيرٍ!
- إلَّا أنَّه أجنُّ منكَ بكثيرٍ!
- مَنْ هو؟
- مَنْ هي؟
- لا عليكَ.
- لا عليكِ.
- سلامٌ.
- سلامٌ.

ثمَّ تنتهي الرِّوايةُ، وتبقى الدَّهشةُ بنا عالقةً، تحتَ الأزرقِ بقليلٍ، وعلى الغلافِ الأخير؛ ثمَّة ملاحظةٍ تقولُ: كانا هنا بين دفَّتي كتابي، وكانا معاً، جَمَعَتْهُمَا اللحظةُ، جَمَعْتُهُمَا للحظةٍ، ثمَّ بأفكاري فَرَّقْتُ بينهما عَنْوَةً، أنا الرَّاوي، يا لي من لئيمٍ! ويا لكم من مساكين أيَّها القُرَّاءُ!.

محمد البلوي

زكيّة سلمان 10-28-2014 12:32 PM

- تُشبهُ حاجةُ المرأةِ لقلبٍ يُحبُّها؛ حاجتَهَا إلى طفلٍ من رحمِهَا؛ ستُحافظُ عليه جيِّداً؛ ما دامَ -وإنْ ماتَ- لها.


أنا أيضاً لا أدري!!
مالذي يفعله أزرقك بي،
قراءتك تُشبه الوقوف طويلاً تحت المطر
مغمض العينين
لاتشعر سوى بقدميك
ورائحة تدغدغ ذاكرتك
دون استفاقة!!


محمد سلمان البلوي
لك العطر والمطر والبهجة والسنابل والنسيم وكل ماهو نقي وسخي مثلك..

عبدالإله المالك 10-28-2014 04:14 PM

يا لهذا المدى الأزرق من إمتداد شاسع

محمد البلوي

جميل كل هذا

انبعاث شاكر 10-28-2014 05:11 PM

- ابتسامة -

ساره عبدالمنعم 10-29-2014 12:09 AM

وهذا ما نفتقده نصوص
بها من التفوق والتميز
عوده حميده زاخر بروائع
الكتابه

نادرة عبدالحي 10-29-2014 01:08 AM

أيها الراوي أنا في إشتياق دائم لأدب يدخل الروح ولا يخرج منها وحصلتُ عليه ..
لم أترك حرفا واحدا يفلت من يدي وذهني .....كُنتُ أحاصر كلماتكَ كي لا تدهشني أكثر
وأقنعتني أن كل أمرٌ قابل للدهشتة ...والجنون
أصبحتُ وأنا أقرأكَ قارئة مختلفة لا تصغي للضجيج من حولها إنما تصغي لبوح له من روح المساء
وله من روح الفجر . ستضحك عندما تقرأُ ردي وتقول يا لها من نادرة مُبالغة ... والحقيقة أنني وجدت
أدب أعادني إلى أسلوب أهواه ُ....
اقتباس:

السَّعادةُ لا تضحكُ؛ بل تتظاهرُ بالضَّحكِ، تُربِّتُ على أكتافنا بفرحٍ؛ وهي تبكي، تنفضُ الغبارَ عن أسمائِنَا بفرحٍ؛ وهي تبكي، تمسحُ الـ آهَ عن أصواتِنَا بفرحٍ؛ وهي تبكي، تغسلُ الصدى عن صمتِنَا بفرحٍ؛ وهي تبكي، تُقشِّرُ الصَّدأَ عن صدورنا بفرحٍ؛ وهي تبكي، وبفرحٍ تبكي؛ وهي تُعيدُ إلينا أشياءَنَا، وتملأُ الفراغاتِ الصَّارخةِ بين أصابعِنَا وأضلاعِنَا، وتُدغدغُ بالحلمِ النَّاعمِ أرواحَنَا، وبالأملِ اللَّينِ أوقاتَنَا، ومعنا ترقصُ وتُصفِّقُ وتُغنِّي؛ حتَّى آخر دمعةٍ في أحزاننا، حتَّى آخر شهقةٍ في أنفاسها.
يا لكَ من راوي إستطاع إلتقاط صور عديدة للسعادة التي أصبحت هي تبحثُ عنا لأننا مشغولون بتكديس الهموم
بجميع جدران بيوتنا ...
وهنا السعادة تفعل الكثير تتظاهر بالضحك . تربت على آكتافنا بفرح ولكنها تبكي لأننا أضعناها متعمدين
تنفض الغبار . ترقص تصفق تغني تدغدغ الحلم تقشر الصدأ عن صدورنا تملأُ الفراغات .......وتفعل الكثير الكثير
ولكن وهي تبكي ..
كم جعلتني هذه الفقرة بإعادة النظر بما نصنعه بأنفسنا ونظلمها باليأس ونلبس الوقت لنلحق الوقت .. إي ندخل أنفسنا في دوامات والسعادة أقرب بكثير مما نظن ...وأعترف بأننا نحنُ من يوصد الباب بوجه السعادة وندخل لمعالجة
مشاكلنا بشئ من طحن المياه .
الكاتب الكريم محمد سلمان البلوي توهب لقارئك الكثير من التأمل
وتجعلنا نلتفت جيداا لأمور نمتلكها ونحن لا نشعر بها
لفكرك النير جذور لا شك لا تُقتلع ..
أهلا بحضرتكَ گاتبنا الكريم

بلقيس الرشيدي 10-29-2014 08:07 AM

تَكتُبُ اللَّحظَة بِدَهشَة وتَخلقُ منْ اللِقاءِ حيَّاة ومن الصُدفةِ تارِيخٌ أُسطورِي !
يامُحمد أنتَ وذَاكرتُكَ المُكعَّبَة وكُل هَذَا المَوج الأزرق يَسحبُنا لـ الأسفَل كيْ نغرقَ بعُمقٍ أكبر .

دامَ هَذَا الجنُون الأدبِي الأغر . أسعدك الله

http://www.albrens.com/vb/uploaded/4563_1251393963.gif

رشا عرابي 10-30-2014 07:53 AM

أستاذ محمد البلوي..
كان للقارئ النصيب الأعمق والأقرب
من مدادٍ جمع بين حكمةٍ حيكت بدقّة..
وما فوقها ..ودونها
تآلف في سياق المفردات يجدل التضادّ بدهشة التفاصيل

وأقتبس منها هذه ليس لأفضليتها
فالنص كلّه من ألف البداية إلى امتداد الفضاء بما لم يُكتب
مدهش ..ويستحق الإحتفاء بأعمق من ردّي المتواضع


- السَّعادةُ لا تضحكُ؛ بل تتظاهرُ بالضَّحكِ، تُربِّتُ على أكتافنا بفرحٍ؛ وهي تبكي، تنفضُ الغبارَ عن أسمائِنَا بفرحٍ؛ وهي تبكي، تمسحُ الـ آهَ عن أصواتِنَا بفرحٍ؛ وهي تبكي، تغسلُ الصدى عن صمتِنَا بفرحٍ؛ وهي تبكي، تُقشِّرُ الصَّدأَ عن صدورنا بفرحٍ؛ وهي تبكي، وبفرحٍ تبكي؛ وهي تُعيدُ إلينا أشياءَنَا، وتملأُ الفراغاتِ الصَّارخةِ بين أصابعِنَا وأضلاعِنَا، وتُدغدغُ بالحلمِ النَّاعمِ أرواحَنَا، وبالأملِ اللَّينِ أوقاتَنَا، ومعنا ترقصُ وتُصفِّقُ وتُغنِّي؛ حتَّى آخر دمعةٍ في أحزاننا، حتَّى آخر شهقةٍ في أنفاسها.

والخاتمة جاءت كحلمٍ في عين المنام..
تأتي لحظة الصحو ذات غفلة..
لتقول : قم يا هذا فأنت تحلم..!

أيّها الراقي ..تحية مجدولة بآيات الدعاء عساها لائقة


الساعة الآن 07:55 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.