منتديات أبعاد أدبية

منتديات أبعاد أدبية (http://www.ab33ad.com/vb/index.php)
-   أبعاد النثر الأدبي (http://www.ab33ad.com/vb/forumdisplay.php?f=5)
-   -   قطعة من رواية أرابودس : (http://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?t=41800)

عبدالعزيز التويجري 02-04-2020 11:03 AM

قطعة من رواية أرابودس :
 


قطعة من رواية أرابودس :

لم يَبْرَحِ الشَّجنُ قلب هاردل مُذْ ذلك اليوم الذي قرأ فيه الرسالة ، وفي إحدى الليالي ذهب إلى قبر مارينا وأطال الوقوف أمامه ثم قال : ها قد وخَطَ الشَّيبُ رأسي وعارضي ولم يَزدْ حُبُّكِ إلا اضطراماً ، وإني أُقسمُ يا مارينا أنكِ أَحَبُّ نَسْمةٍ إليَّ على وجه البسيطة بعد نيرمال ، وما زلتُ مشغوفاً بكُما مُتيَّماً وإن أبلى الثَّرى مَحَاسنكُما ، لأني أحببتُ فيكما قلباً وروحاً لا جسداً .
هاكِ يدي لم أنتِ صامتة ؟ بربكِ أعيدي إلي ذكرى تلك الأيام التي كُنَّا نَجولُ فيها ، ونَسْتكشفُ مَجَاهلَ الجزيرة ، ونعدو عند الجدول الذي تعاهدنا عنده على الوفاء ، ونَقْبعُ على ضفته لتناول الطعام ؟
لقد تعاهدنا على الحُبِّ والوفاء طيلة العمر وإن نأتْ بنا الديارُ ، وشَطَّ المزارُ ، ولكن غالَكِ الرَّدى ، وتوسَّدْتِ الثَّرى ، وبقيْتُ بعدكِ تائهاً في دروب الحياة ، غُدُوِّي مع الحنين ، ورواحي مع الزفرات والأنين .
ثم أَجَالَ ناظره فلم ير إلا الأضْرحة التي تملأ المكان فقال : ما هبَّتْ نسماتُ المساءِ ، وما غرَّدت الطُّيور ، وما اكتملَ البدرُ ، وما هطلَ الغيثُ ، إلا وتفجرتْ يَنابيعُ الشَّوقِ ، وسالتْ حِممُ الحنينِ إليكِ ، ولو اجْتَمعَ جَميعُ نساءِ الدنيا في مَيْعَةِ الصِّبا ، وأتيتِ أنتِ في سن الشَّيخوخة لانصرفتُ إليكِ غير آبهٍ بسواكِ .
ثم أخذ بعض ثرى القبر وضَمَّهُ إلى صدره وقال : لقد أبْحَرْتُ في بحر حبكِ طيلة عمري ، صارعتُ أمواج الحنين ، قطعتُ محيطات الصبابة ، اجتزتُ مَفَاوزَ النَّأي ، مُيَمِّماً نحو قصر الأمل ، وبستان اللقاء ، حتى شارفتُ على مرحلة الشَّيْخُوخة وحِيْلَ بيني وبين ما أصبو إليه ، فسيَّان فراق الحياة والموت ، فكلاهما يَحْصُدُ الأرواحَ ، ويُتْلفُ الأجسادَ ، ويُرْمضُ القلوبَ ، وإن كان لفراقِ الحياةِ بَصيْصُ أملٍ تُعَلِّلُ النَّفْسَ به باللقاء .
ثم صمتَ قليلاً ورفع رأسه إلى السماء وقال : أيها الفراقُ ، أيها السَّيفُ المصْلتُ على رُؤُوسِ العبادِ ، كم أَسَلْتَ من دمْعٍ ، وأشْجَيْتَ من قلبٍ ، وأسْقمْتَ من جسدٍ ، وأتْلَفْتَ من روحٍ ، يا مُقوِّضَ خيامِ السعادة ، وهادمَ قصورِ المنى والأحلام ، ما أشدَّ وطْأَتَكَ ، وأنْكَى طَعْنَتَك .
تَجُولُ بين الناس التي فرَّقْتَ شملها ، وتَتَبَخْتَرُ بين القلوب التي أحرقتها وأنهكتها ، وأنتَ آمنٌ من أن تُصَابَ أو يُقَادَ منك .
الويل لكَ ! ألا رحمتَ الأعيُنَ الواكفةَ ، والقلوبَ الواجفةَ التي وُسمَتْ بميْسَمكَ ، والأكبادَ المحترقةَ التي شكَّها سَهْمُكَ ، فتَكفَّ ، وتَتَنكَّبَ ، وتنْشَمِرَ ، فعلى من أسْتَعْديكَ ؟ وأنتَ نَذيرُ الموتِ ، ورداءُ السَّقمِ ، وقَرينُ الشَّجنِ ، وأغلالُ الجحيمِ ، وأصْفَادُ العذابِ ، وبَيْداءُ الضَّياعِ ، وصَعيْدُ الجَفَافِ ، وفَارسُ الوغى الذي لا يَرْحَمُ ولا يَعْطف .
انظرْ أي جَمْعٍ لم تُفَرِّقْه ، وأي بيتٍ لم تَلجْه ، وأي قلبٍ لم تُشْجه ، فبِمَ تُرْزأُ أيها الفراقُ لتَعْلمَ ما يُكابدُه من ألْقَيْتَ عليه بكَلْكَلك ؟
قد آذيتني أيها الفراق ، وآلمتني ، وأشجيتني ، وأنهكتني ، ولكني ثابتٌ لا أتزعزعُ ، وصامدٌ لا أنحني ، وإن أخذتَ مني أمَّاً وأباً ، وحُلْتَ بيني وبين حبيبةٍ استحوذتْ على شغاف قلبي مُنْذُ صِغَري ، كنتُ أَتَمنَّى قربها والاقتران بها ، وأحباباً كانوا لي سلوة وسعادة ، فأنْهِكْ قلبي ، وأدْنِفْ جسدي ، وأحْرِقْ عروقي فلن أتَضَعْضَعَ لك ، ولن ألِينَ وأسْتَكيْنَ ، وإن فرَّقْتَ بين روحي وجسدي .

سيرين 02-04-2020 01:46 PM

رباط الوثاق هنا اقوى من اي فراق
ولتظل تلك القلوب العامرة بالنبض تمشي في مناكب الارض منددة به
أسم الرواية يذكرني بالاساطير القديمة وما تحمله من علاقات واحداث غير تقليدية
مما جعلني على مرافيء الانتظار ارقب البقية
سرد روائي سلس يشد انتباه القاريء دون ملل او فقد ترابط الحدث
دقة التفاصيل متقنة حد التجسيد
شكرا لقلمك المبدع ودام غيثه مورق بأبجديات الجمال

\..:icon20:

رشا عرابي 02-05-2020 09:45 PM

ﻋﻠﻰ ﺷﺮﻓﺔ ﺍﻷﻭﺟﺎﻉ ﺗﻨﺘﺤﺐ ﺍﻷﻣﻨﻴﺎﺕ
ﻭﻫﻨﺎ ﻣﺎ ﺃﻥ ﻧﻘﺮﺃ ﻳﺒﻘﻰ ﻟﻠﺤﺮﻑ ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻕ ﺍﻟﻨﻔﺲ
ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻼﻣﺢ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺰﻭﻝ


لك التحايا مطر~

عبدالعزيز التويجري 02-06-2020 10:48 AM



جزيل الشكر لكم جميعاً .

نادرة عبدالحي 02-06-2020 10:21 PM



لغة ثرية ومفردات مليئة بشحنات ثقافية واعية تدرك الطريق الاقرب


للوصول لفكر وقلب القارئ . يوصف الفراق بطريقته ويُبين تأثيره وما يترك خلفه





اقتباس:

أيها الفراقُ ، أيها السَّيفُ المصْلتُ على رُؤُوسِ العبادِ ، كم أَسَلْتَ من دمْعٍ ، وأشْجَيْتَ من قلبٍ ، وأسْقمْتَ من جسدٍ ، وأتْلَفْتَ من روحٍ ، يا مُقوِّضَ خيامِ السعادة ، وهادمَ قصورِ المنى والأحلام ، ما أشدَّ وطْأَتَكَ ، وأنْكَى طَعْنَتَك

اقتباس:






هذا النوع من الأدب بعيد عن التكلفة والتصنع . وله نصيب من الفصاحة والبلاغة .



عبدالعزيز التويجري 02-19-2020 12:17 AM



نادرة : جزيل الشكر لمروركِ العذب .


الساعة الآن 05:21 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.