أَبْيَض
أَبْيَض " قَطْف مِن أَدَب الصَّداقة " ، للقِرَاءة |
.
اليوم وأنا أكتب إليك قلت لنفسي أنني إذا لم أكتب اليوم فلن أكتب لفترة طويلة من الزمن، وهكذا انتزعت الورقة البيضاء من مرقدها وبدأت أهذي. " عبدالرحمن منيف " |
.
ارتكبت حماقة " رسمت " والكلمة الأخيرة كبيرة فضفاضة إلى درجة الإستفزاز ، وكدت في اليوم التالي انتزع الورقة المرسومة وأستبدلها ، لكن قلت لنفسي في لحظة معينة : لماذا يخجل الإنسان من حماقاته ؟ لماذا يصرّ على أن يبقى لابساً ربطة العنق ومبتسماً ، وكأن لا هم لديه سوى التقاط صورة فوتوغرافية؟. أفكر منذ فترة طويلة ، ان تكون هناك كتابة غير خاضعة للرقابة الذاتية ، غير محكومة بهذا القدر من العقلانية والبرودة . أريد من هذه الكتابة ان تنطلق دون قيود ، دون خوف ، نحو ... الاكتشاف إذ يمكن من خلال كتابة مثل هذه تفتح أفاقاً ، تجعل الأشياء أقل قدسية ، إذا صح التعبير. " عبدالرحمن منيف " |
.
اللوحة غير المكتملة لوحة كاملة في كثير من الأحيان ، لإنها طريقة لإستفزاز الخيال ، لإشراك الآخر في ان يعمل شيئاً من أجل اكتمالها. اللوحة الكاملة ثقيلة ، كليّة ، قاسية ، تماماً مثل الآيات والطقوس الكلية ، إذ لا تترك مجالاً للخيال ، للآخر ، أية فرصة يشترك ، لأن يضيف، لأن يتدخل ، وبالتالي يصبح الآخر مجبراً ، بشكل ما ، ان يكون تابعاً مستسلماً ، خاضعاً ، وأخيراً غير مبدع في قراءة اللوحة. ونفس الشيء بالنسبة للرواية التي تتابع مصائر الشخصيات ، مصير كل شخص ، لكي تقول كيف عاش ، كيف انتهى ، دون ان نترك للخيال أية إضافة ، أي خيال ! لابد أن نترك مكاناً للتنفس ، لنا وللآخرين ، في التعامل مع العمل الفني ، وإذا أردنا أن نقصر الآخرين على رؤية كل شيء كما نريد قد خسرنا ولم نربح ، هذا ما أتصوره ، وهذا ما أحاوله. " عبدالرحمن منيف " |
.
إحدى القضايا التي تؤرقني ان الكلمة : عاهرة. لم تعد لها تلك الدلالة الواضحة والمُتفق عليها ، والثابتة. إنها تتغير ، تتحول ، تموج وترتخي أمام القوي الذي يعطيها معنى معيناً ، خاصة لأنها متداولة على نطاق واسع ، وهذا مايجعلها ، بمعنى ما ، مبتذلة، سائبة ، دون حماية من أي نوع . المحاولة القاسية في إعادة الاعتبار إليها لكي تكون ذات معنى ، ذات دلالة محددة ، وأيضاً طازجة .اللون، يبدو لي أكثر حياداً ، وأكثر استعصاء من الكلمة، وبالتالي لم يتعهر بعد ، وهذا مايفتح له أفقاً غير مكتشف ، غير معروف ، ممايجعله أكثر حرية واحتمالاً. المشكلة في هذا الاضطراب ، في هذا التيه ، الذي يبدأ لكن ليس له نهاية ، ومن هنا تبدأ اللغة الخرساء ، وتتراكم وتستمر ، إلى أن تصبح هي اللغة السائدة. " عبدالرحمن منيف " |
.
كتبت في الأيام الأخيرة مقالة قصيرة عن جبرا أسميتها: جبرا من بعد ، وقد نشرت في جريدة السفير يوم 12/15 ، بمناسبة مرور سنة على وفاته. لم أكتب قبل هذه المقالة كلمة واحدة عنه ، وحتى عندما شعرت بضرورة الكتابة اخترت الزاوية البعيدة ، قبل ان نتعارف وقبل ان نتعاون ، ولا أدري لماذا أتهيب دخول المعركة بكل ماتعنيه هذه الكلمة ، ولماذا لا أكتب عنه كاملاً وكلياً ! " عبدالرحمن منيف " |
.
من خلال الفن يمكن ان نعطي للأشياء، بما فيها الزمن معنى جديداً ومختلفاً. الكلمة زلقة، والموسيقى هاربة ، والمسرح لحظة ، ولذلك فإن الإنسان يثبت نفسه من خلال سحر الأشكال والألوان. لو لم أكتب لرسمت. أعرف أني لست موهوباً في هذا المجال ، لكن الغليان الذي يملؤني ، والذي يفيض باستمرار لا يمكن ان تستوعبه الكلمة المعهرة ، والتي أصبحت شائعة إلى درجة أنها لا تقول شيئاً البتة ، أو تقول الأشياء كلها دفعةً واحدة ، وبالتالي لا معنى لها. هذه خاصية الكلمة إنها طريقة إستعمالية إلى درجة آلية. " عبدالرحمن منيف " |
.
بدأت تخاف عندما تحولت اللوحات والحياة إلى كلمات ، ولذلك أخذ ينتابك الوسواس، وبدأت تفكر : ماذا لو أضفنا ؟ ماذا لو غيرنا ؟ ماذا لو كنا أكثر حذقاً في ان نقول هذه الأشياء أو نخفيها ؟ أعرف هذه الوساوس، أعرف كيف يمحي الفنان ، ويعيد مئات المرات قبل ان تسجل عليه ، ولكن لابد أن نحاول مرةَ وثانية وربما عاشرة ، علنا نقول الأشياء بطريقة أفضل! إن الأمية البصرية التي نتمتع بها في المرحلةالحالية تجعل هناك ضرورة قيادة القارئ كما يقاد الأعمى ، لكي تقول له ماهو مهم وما هو أقل أهمية ، ولكي تعلمه كيف ينظر إلى اللوحة ، الكثيرين بحاجة إلى مفتاح، إلى لافتة طريق ، إلى من يقول: من هنا . " عبدالرحمن منيف " |
الساعة الآن 12:43 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.