على عتبةِ الغيابِ وقفتُ أُحصي آخر كلماتنا , مدهشٌ عددُ الحروفِ الّتي جمعتنا , تُطابقُ حروفَ اسمكَ تماماً .. لماذا أنبضُ بكَ , رغمَ الألم ؟ لماذا أعدُّ على أصابعي حروفَ اسمكَ و أُخطأُ عمداً لأعيدها, و على شفتي بسمةٌ جافّةٌ كتلكَ الّتي رافقتنا يومَ افترقنا آخر مرّة ؟ عالقٌ أنتَ بي , تتمدّدُ فوقَ ذاكرتي كأصواتِ فرحنا لحظاتِ العناق, تتعملقُ بداخلي كسنبلةٍ حزينة و تُمطرني بمئاتِ حبّاتِ القمحِ إذا ما مرَّ سواكَ بمخيّلتي , و تسألني , ألا زلتُ أحبّكَ , بذاتِ الدّهشةِ الأولى , بذاتِ الرّغبةِ المكتومةِ في معانقةِ يديكَ و الاختباءِ تحتَ قميصك ؟ و يجيبكَ صمتي , بالصّمت , لأنّكَ وحدكَ من تقرؤهُ , لأنه وحدهُ من يستطيعُ ان ينفي حرائقَ الشّكِّ في صدري و قلبك ! و أنكمشُ كطفلةٍ صغيرةٍ أمامَ باب طفولتنا المشتركة , أمام قبلاتنا الاولى الممزوجةِ بروحِ براءةِ الازهارِ و رغبةِ العصافير , أنكمشُ كيدي إذ تلوّحُ لكَ , و أتكوّرُ على نفسي كنونٍ تجاهدُ النّقطةَ ألّا تسقط ! و أتلعثمُ كيومَ غمرتني بـِ أحبكِ , و أتهجأ : أنا راح دايماً أهواك ! |
" طيّب خليّك " النّجماتُ استعارَت بحّةَ صوتكَ و رقّةَ الحاءِ فيهِ , و راحَت تردّدُ هذهِ اللّيلةَ أغنيتنا الأولى , أتذكرُ حينَ قطفتُ من ذاكرتي بنتاً صغيرةً و أودعتُها يديك ؟ ظننتَ يومَها أنّني هيَ فقط , و رحتَ تفتّشُ في فستانها الأبيض عن وردةٍ سحريّةٍ تُعيدُ تماسككَ إليك , كلّما حلَّ الغروب , كنتَ تهربُ كأيائلِ المساءاتِ في الغابة , كنتَ تحلّقُ و في فمكَ غصنٌ من وعدِ اللّقاء , و أبقى أنا وحدي أعدُّ نجومَ فراقكَ حتّى تحملكَ خيولُ الشّوقِ إليَّ فتحتضنُ خوفي من العتمة ! هذه اللّيلة , أنا وحدي كقنديلٍ يقتاتُ من البرد , و يُنيرُ أرقَ الانتظار ... هذهِ اللّيلة .. " خليّك " ! |
أختبأُ في قلمكَ الأزرقِ كصدفَةٍ مبلّلة .. أركضُ إلى أصابعكَ كلّما لامستَ ذاكرتكَ و لا أعترفُ بالغياب ! أعدُّ على أضلاعي سنينَ عمركَ و أتلو فرحي على دقائقِ حُزنك , تعدُّ حرائرَ اللّيلِ و نسائمَ الصُبح تأكلُ من أصابعي سنبلتينِ و حبّة أرزّ ثمَ ترفرفُ إليَّ كعصفورٍ خائف .. و لا أعترفُ بالمسافات ! أسكنُ وجهك , أقطنُ في تفاصيلِ ابتسامتَكَ و في أَرَقِ دمعاتكَ الهاربة , تحتلُّ صوتي , و أُخفيكَ في وجنتيَّ , من أسرابِ العصافير .. و لا أعترفُ بالمساءات ! عجبين الليل ! |
كـَ صباحَ مدينتي الصّغيرة أحنُّ إليكَ , كبيتِ أبي و كرسيهِ و " كوفيّتهِ " البيضاء , أقفُ وراءَكَ .. أعدُّ تسبيحاتِ اللّيلِ على فقراتِ ظهرك , أمرّرُ أغنيتي على شعرك أتلو طفولتي فوقَ أناملك أتركُ غربتي معلّقةً على مشجبِ الأرق و آتيكَ أنا فقط , بدونِ وجعي , بدونِ رئتي الّتي تعرف .. أنا فقط و على رأسي قطّةٌ صغيرةٌ و بينَ يديَّ مدخنةُ بيتٍ دافئ و في حنجرتي صوتٌ لا يُشبهُ بحّةَ الفقد .. آتيكَ أنا و حنينٌ صغيرٌ و مغفرة , و أيدٍ تتشبّثُ بنجمةٍ بعيدة و تفقدُ ذراعها , و طفلةٌ لا زالَت تردّدُ منذُ الدَّربِ الأوّل : " يطوّل عمرك لا تطوّل ! " |
http://albom.qatarw.com/data/media/42/dc93e09d94.jpg و تسألني الرّجوع , و في عينيكَ لا زالَ يئنُّ جرسُ الرّحيل و على يديكَ بقايا من ريشِ الغياب و بينَ شفتيكَ آثارُ قبلةِ الوداعِ الاخيرة , و بعضٌ من دمي ! أأعودُ ؟ .. و هل أملكُ إلا حروفاً ظامئةً كلّما اختارها المَطر , فاجأها شبحُ المسافاتِ المَظلم و عالجها باليباس , و أنا كفرعِ لبلابٍ حزين , يتسلّقُ جدرانَ الوجعِ بحثاً عن ذراعٍ لأملٍ قادرٍ على منحهِ الثّباتَ في وجهِ الرّيح , و غيابُكَ صلاةٌ تُمارسُها سِرّاً كلّما أردتَ الإختلاءَ بقلبِكَ و درءَ مطرِ اللهفةِ المُشتعلةِ عنه ؟ : هل نعودُ طفلينِ و قلقُ الليلِ العميقِ في تزايد ؟ و سنابلُ السّلامِ جاثيةٌ على صدرِ الأرقِ تشكو عقمها , و قلّةَ المطر و الرّبيعُ يحتضنُ نيسانَ و يكفّرُ عن ذنبِ الورودِ الذّابلةِ بصقيعٍ يُحرقُ فيهِ أغصانَ الانتظار , و أنتَ , ذلكَ الرّجل الخرافة , الّذي يُتقنُ صُنعَ الأملِ من عجينِ الفقراء , و بعثَ النّبضِ في أفواهِ اليتامى , و إعادةَ السنّونوةِ الضّالةِ إلى عشّها الصّغير , ثمّ يقفُ حائراً امامَ جرحيَ المفتوح , فلا يستطيعُ لهُ ضمادا ! : أنعودُ ؟ .. ليتنا نعود قبلَ سؤالكَ : شو قولك ؟ |
سلاسلُ العشب تتسلّقُ سلّمَ الامنيات و تُحيلهُ درباً أخضر قادراً على فتحِ عينيهِ أمامَ ضوءِ الشّمس , قنديلٌ تبقّى من زمنِ الطّفولة , صداهُ اغنياتٌ و ظِلّهُ خريفٌ ينفضُ عنهُ عناءَ الأوراقِ الصّفراء و يطيرُ كفراشةٍ ملوّنة , نخلةٌ مسافرةٌ و وتر , و تربةٌ غنَّاءُ و حجر , و موعدٌ و سرٌّ صغيرٌ .. و حكايةُ العواصفِ القديمة , تقتلعُ الأشجارَ الهزيلة و تتركُكَ مغروساً بقلبي ممهوراً بمطرٍ ناعمٍ يُغرقني و لا يأبه , يداكَ و قصّةُ الياسمينِ الّذي كانَ يوماً ما أنفاسك , و قصيدةٌ عتيقةٌ عنوانها رجلٌ / حزن , مشيّدةٌ بكبرياءِ قصورِ بابل .. كلُّ ذلكَ و أنتَ راسخٌ في العمقِ كأمنياتِ الرّحمةِ و دعواتِ المغفرة , كطفليَ أنتظرهُ و تخبّئهُ اللهفة , أخبِّئهُ و يتلهّفّهُ الانتظار , و اسمكَ كلمةُ القلبِ على الدّم , يتلوها فيُطلق سراحهُ من النّسيان ! و .. تشتعلُ الرّئة , غيابكَ نظّارتها السّوداء و بُعدكَ عكّازها الأعمى , و حلمها أن تقنعَ الرّبيعَ بقدومك بأنّكَ ستخرجُ من كتبِ حكايا الاطفال بأنّك لا تحبُّ حرف الهاء , و لا علاقةَ لكَ بالميم و ليسَت الواوُ بحّةَ صوتك و أنّكَ حينَ اعتقلتَ الأبجديّة , تركتَ لي اسمي معلّقاً على جدرانِ عينيك و أتقنتَ رؤيتَهُ حتّى حفظكَ عن ظهرِ حبّ ! و أنَّ ما بقيَ من مراكبِ الحنينِ الـ بلا حدود , سيأتي بكَ إليّ قبلَ موعدي القادم مع الموت , قبلَ موتي القادمِ مع الموعد , ليسَ هذا فقط , بل ... كلّ اللي صاير بقلبي .. |
http://www.oumeimaelkhalil.com/_gra/...-el-khalil.jpg
لا زلتُ أخبِئكَ في صدري , أنا ذلكَ البيتُ العتيقُ الّذي لا زالَ في ذاكرتك , أنا توحّدكَ و انفصامكَ و التقاؤكَ بكَ في لحظةِ هروبٍ و قلق ! أنا أمنيتُكَ الصّغيرة , و أشياؤكَ المُخبّأةُ و المعروضةُ للموتِ نسياناً , أنا ما بقي لكَ من طفولتِكَ و مراهقةِ يديكَ و تعبِ صوتِكَ و كهولةِ الفرحِ في مفاصلك . أنا غابةُ التّفاصيلِ الدّافئةِ على صدرك , مهدُ أحلامِكَ المُستبعدة , و آخرُ رغباتِكَ و أطفالك ! تأتيني و اللّيلُ يرتِجفُ على بابِ البردِ بينَ دفّتي قلبكَ , و الماءُ يتساقطُ على شَفةِ الغيابِ و الأصواتِ الهاربة , و الأيائلُ الشّاردةُ في عينيكَ ترسمُ ظلّاً عابثاً لشمسِ فرحكَ , ثمَّ تعدو خلفَ ضجيجِ الوقتِ و تترككَ لبردِ الثواني القاتلة , فأحتضنكَ و انا أعلمُ أنَّ بردَكَ نعمةُ المساءاتِ على صدري و أنَّ ارتعاشَةَ أوصالكَ ستُعيدُ لقلبيَ نبضهُ الشّارد و لأنفاسيَ رتمها المفقود ! لكنّ اللّيلَ أكبرُ من أصواتِنا , و عُنقَ الأيّامِ يتطاولُ مُعلِناً رفضَهُ لحصارِ نوافِذِ أحلامِنا الصّغيرة , و أنا أكونُ تارةً شجرتَكَ و أُخرى خطيئتَكَ المعقودةَ برفرفةِ جناحيكَ خارجَ العُشّ , و عصفور ! |
http://4.bp.blogspot.com/_l-TGhpx0vh...8/s1600/35.jpg
أوّل سطر حبيبي تاني سطر حبيبي * مثلَ عاشقةٍ ضئيلةِ الحرفِ جرّبتُ أن أكتبَ لكَ عن لهفتي لاحتضانِ الهاربِ من فرحك , الشّاردِ من صوتك , المبعثرِ من شفتيكَ و التّائهِ من أصابعك .. مثلَ هاربةٍ من صحيفةٍ تراودُ عينيكَ كلَّ صباحٍ الاهتمام , حاولتُ أن أسرقَ صوتي المسجونِ في حنجرتكَ و أكتبَ لك .. مثلَ حمائمِ الوعدِ يتدلّى صوتُها من باحةِ منزلٍ عتيق , مثلَ أغنيةٍ حزينةٍ نفضّت عن نوتتها الوجع و تحوّلت إلى غمامة , مثلَ صدرٍ مكلومٍ يشهقُ شهقتَهُ الأخيرة لأجلِ قبلةِ وداعٍ تردُّ لقلبهِ المذبوحِ اعتباره .. حاولتُ أن أكتبَ لكَ عن شيءٍ ما آخرَ غيرِ لهفتي المُشبَعِ بها قلبُك , غيرَ إدماني على صوتِكَ و حركاتِ يديكَ العشوائيَة , عن موسيقى أخرى لم تعتَد عليها أصابعكَ و لم تألفها شفتاك .. جرّبتُ أن أكونَ قلماً متوحّداً في ورقتِهِ الوحيدة , أو جناحاً مكسوراً على طرفِ كومةٍ من اللّونِ الأبيضِ تنصهرُ على ذاتِها لتشكّلَ رسالةً إليك , لكنّني كنتُ محبرةً متمرّدةً على ريشةِ استجداءِ الوقتِ و الأزمنةِ لأجلِ قبلة , كنتُ ليلةً هاربةً من الكلماتِ الضّيقةِ , كنتُ أيلولَ بثوبِ فعلٍ ماضٍ و موجةً برتبةِ صخرٍ يُعانِدُ صوتَ الماءِ و رغبتَهُ الجامحةَ في اجتيازِ رمالِ حبّكَ حتّى ذاكرتي .. أن أكتبُ إليكَ بعدَ أن غادرَتْني لهفتُكَ الجامحة و تركَتَ بقايا صوتِكَ على عنقي يعني أن أفتَحَ صدرَ الورقِ و أغلقَ فضاءاتِ قلبيَ المفتوحِ على مصراعي انتظاري على دربك .. أن أكتبَ إليك , يعني أن أكتبَ عنكَ لأوراقِ أيلولَ الموشّاةِ بذاكرتي , للياليِ آذارَ المُشتعلةِ بالبرد , و لصباحاتِ حزيرانِ المتفتّحةِ بقطراتِ الذّاكرةِ المنهالةِ على وردِ المواعيدِ المهملةِ و طاولاتِ العشّاقِ المهجورة .. أن أكتبَ إليكَ يعني أن ألاطفَ ذاكرةَ الورقِ و انثيالَ الدّمِ من عنقِ القلم , ثمّ أضمّدَ غيابَكَ باستحضاركَ على الأرق ِ و مواقدِ الحبِّ و الانتظار .. وينك ؟ .. * و يهبُّ الحنينُ في القلب و أتوسّلُ إلى الرّياحِ أ ن تصيرَ مطَراً ليغسلَ دمعي و لا تراه ... و ينك ؟ ..* و أعقدُ صوتي بحبلٍ من الذّاكرة قِفلهُ حبّكَ , ينفرطُ دمعاً ملّوناً إذا ما غِبت و يتلألأ بالشّوقِ يومَ تحضر .. و قلت بكتبلك ! |
الساعة الآن 01:56 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.